سقطت التفاحة، فتصاعدت الأسئلة من رأس الفتى الجالس بظلالها، والذي هز الشجرة بعصف ذهني غير مسبوق؛ ليسألها عن السر، ولتتساقط آلاف الإجابات التي توالدت من رحم الإجابة الأم، وتتحول إلى ثمرة يانعة تغذي المنجز البشري وتمده بما يحتاجه من طاقة ونمو واستمرارية. إذا، في البدء كان السؤال، والسؤال أداة ناقدة لا تسلم بالواقع ولا تستسلم له دون قناعة وتفكر وتدقيق وشغب إيجابي. السؤال ليس وسيلة استفهامية مجردة، لكنه في الكثير من الحالات يحمل إجابات ضمنية ورؤى مضمرة، ويفتح الكثير من الآفاق والأبواب المعرفية التي ما كان لها أن تفتح لو لم تطرقها الأسئلة الملحة. السؤال هو أولى درجات المعرفة، وآخر ما بلغه العلم الشخصي، وهو عصارة المخ ومقياس الوعي؛ ولذلك يقول أحد الفلاسفة: تستطيع أن تحكم على الرجل من أسئلته أكثر من إجاباته. ويتسق مع هذه الرؤية الموقف الخالد للإمام أبي حنيفة الذي ظل بكامل وقاره بحضور ضيفه الجديد في أحد دروسه إلى أن طرح الضيف سؤاله الشهير، ولتأتي ردة الفعل الأشهر: آن لأبي حنيفة أن يمد رجله! لم يمد أبو حنيفة رجله ليستريح من الألم، كما يفعل أمام طلبته بتلقائية واعتياد؛ لكنها جاءت هذه المرة لتقول للضيف: شكرا.. سؤالك قدم لنا تقريرا مفصلا لم تكن أطول الإجابات قادرة على اختزاله وتكثيفه بهذا الشكل القليل/ الطويل. قد يكون سبب اهتمام نيوتن بتلك التفاحة هو أن رأسه مشتعل بهم ثلاثي الأبعاد: رياضيات وفلسفة وفيزياء، لكن المؤكد أننا لا نحتاج إلى هذه الخلطة العلمية لنطرح أسئلتنا، فلكل منا مداراته وآفاقه، وعليه أن يطوح بأسئلته في هذه المدارات بحثا عن مطر يروي ظمأها.