في رد من الأديب نجيب محفوظ رحمه الله على رسالة كتبها له الدكتور مصطفى سويف يسأله فيها عما إذا كان لم يفكر من قبل بكتابة سيرة ذاتية صادقة وشاملة، قال: «أما فكرة السيرة الذاتية فهي تراودني من حين لآخر، أحيانا تراودني كسيرة ذاتية روائية، ولكن الالتزام بالحقيقة مطلب خطير ومغامرة جنونية، وبخاصة أنني عايشت فترة انتقال طويلة تخلخلت فيها القيم، وغلب عليها الزيف، وانقسم فيها كل فرد إلى اثنين: أحدهما اجتماعي تلفزيوني، والآخر ينفث حياة في الظلام». هذا الرد البليغ يلخص أزمة معظم الأدباء العرب، سواء في تلك الفترة التاريخية التي أشار إليها نجيب محفوظ، أو الفترة التي نعيشها اليوم، أو ما سيأتي غدا من فترات إن لم ينقرض الأدب العربي ويقبر ما تبقى من كتب وراء العارضات الزجاجية للمتاحف، إذ من الصعب جدا على أي كاتب في العالم أن يعبر عن رأيه بصدق مطلق في مناخات مجتمعية تفتقر إلى الحرية الشخصية بمعناها الصحيح، ومن الأصعب في مثل هذا المناخ أن يتحدث بصراحة حقيقية عما مر في حياته من مواقف دون محاولات للقص واللصق بين الكلمات، وإجراء عمليات تجميل دقيقة للمضمون، وإلا فالويل له من ثورة أهله، وأصدقائه، وجيرانه، وجيران جيرانه، وكل من قد يسمع ولو صدفة بهذا الكتاب قبل أن يقرأه! الإبداع الحقيقي يتطلب دائما ومضات من الجرأة التي تشبه الجنون، أو لنقل أن عامة الناس من غير المشتغلين بالآداب والفنون يرونها جنونا؛ ولأن «الكثرة تغلب الشجاعة» أغلب الأوقات، يضطر الأديب العربي لتدجين قلمه وكتابة سيرة ذاتية تفتقر إلى حرارة المصداقية، ولا تستطيع الوصول إلى مستويات السير الأجنبية التي يتغزل بها النقاد العرب.