بعيداً عن الهزيمة التي لحقت بالمنتخب السعودي أمام المنتخب العراقي مساء أمس الأول في البحرين.. أسبابها وظروفها.. فإن السؤال المهم الآن هو: هل يحول الشرط الجزائي المكلف وقدره (30) مليون ريال دون إعادة النظر في فك الارتباط مع المدرب «ريكارد» قبل أن نخسر أمام اليمن مباراتنا القادمة.. ومن باب أولى أن نكون كذلك أسوأ حالا أمام الكويت الطامح بقوة في الفوز بالبطولة؟ نطرح السؤال.. وإن كنا لسنا مع مبدأ إقصاء المدربين بعد كل هزيمة.. لكن ما يحدث لمنتخبنا منذ أن تسلم ريكارد مهمة الإشراف الفني عليه هو.. أن ثقافة الرجل الكروية مختلفة كل الاختلاف عن ثقافة اللاعب السعودي وتكوينه وإمكاناته.. وأن الرجل ينظر إلى المهمة التي جاء من أجل أدائها بتعالٍ كبير.. وبالتالي فإنه ليس لديه استعداد بالمرة لكي يعمل بطريقتين وعلى مستويين.. الطريقة الأولى.. وهي التعامل مع الواقع الذي تعيشه الكرة السعودية والإقليمية وحتى الآسيوية.. والاستعانة في ذلك بعناصر اللعب الأساسية المتاحة ويحقق بها نتائج قابلة للتحسين والتطوير في حدود الإمكانات المتاحة لها.. ومنها.. أما الطريقة الثانية.. فإنها تقوم على أساس صناعة منتخب جديد في فكره.. وعناصره.. وخططه وبرامجه.. ولياقته.. وفلسفاته.. وفق برنامج زمني يمتد إلى (5) سنوات وأكثر.. ويكون هذا المنتخب هو رهانه إلى المستقبل الأفضل والأبعد والأطول.. وبذلك يقدم الرجل نفسه إلى الأوساط السعودية بالشكل وبالصورة التي يريدها.. والتي نطمح إليها جميعاً.. أما ما يحدث الآن فهو.. «خلطة» غير متجانسة.. وغير مقبولة.. وغير قابلة للهضم.. بدت في مباراتنا أمام العراق أقرب إلى «الكوميديا والتراجيديا» التي لا تحكمها معايير أو ضوابط أو قواعد منطقية.. مع الأسف الشديد.. ومنذ الآن.. فإننا نستطيع القول.. إن ما ظهرت به المباراة سوف يتكرر وربما بصورة أسوأ في المباريات القادمة.. وسوف يثبت لنا ريكارد نفسه أنه أحد اثنين.. فإما أنه أكبر من الكرة السعودية وأنه يتعامل (فقط) مع ما هو متاح.. وممكن.. وغير قابل للتطوير.. ويمضي في عقده ويجني ثماره المادية إلى أن تنتهي مهمته بصرف النظر عن النتائج. وإما أن الكرة السعودية «هابطة» و«فقيرة» وميؤوس من تطويرها.. وبالتالي فإن هذه العناصر التي رأيتموها في الملعب هي «خير الموجود» ولا داعي لأن تدفعوا الملايين لمدربين عالميين لتغيير وضع غير قابل للتغيير.. وعليكم أن توفروا.. «فلوسكم» في جيوبكم.. وتحضروا مدربين «على قدكم» ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وإلا.. فماذا قدم لنا «ريكارد» حتى الآن سوى الفتات.. وماذا أعطانا من خيراته الفائقة.. ولماذا المضي معه حتى النهاية..؟! وهل هؤلاء اللاعبون الذين أشركهم في المنتخب الحالي هم الأفضل..؟! ثم ما هي معاييره هو ومن شاركه في الاختيار.. في تحديد من يصلح ومن لا يصلح؟. بهذه الأسئلة وسواها.. نستطيع أن نصل في النهاية إلى التصحيح لما يحدث.. سواء أكان هذا بتدخل «الاتحاد السعودي لكرة القدم» أو بأجهزة الكرة في الرئاسة العامة لرعاية الشباب أو عبر مؤسسات المجتمع التي لا يسعدها استمرار تدهور الرياضة في بلادنا إن كان مظهر المنتخب هو الدليل وهو المؤشر على ذلك..إضافة على خسارة جميع المنتخبات الأخرى على اختلاف فئاتها السنية ودرجاتها ومستوياتها.. لماذا خسرنا؟ أما لماذا خسرنا مباراتنا أمام العراق.. فإن الصورة على النحو التالي: أولاً: كان من الواضح أن الهاجس الرئيسي الذي سيطر على تفكير المدرب ريكارد هو.. اللجوء إلى خطة هجومية تحسم المباراة منذ وقت مبكر.. لذلك اعتمد طريقة (4/2/4) وهاجم باثنين هما: ياسر القحطاني وناصر الشمراني.. ولعب بفهد المولد في اليمين وسالم الدوسري في اليسار.. وكان يمكن لهذا التشكيل لخط المقدمة أن يحقق الأهداف التي أرادها المدرب في ظل توفر عدة عوامل هي: 1/ توفر الانسجام الكامل بين عناصر خط الهجوم.. 2/ توفر الدعم والمؤازرة الفاعلة من خط وسط قوي محكم وواضح الأدوار (هجوماً ودفاعاً وفتحاً للملعب). 3/ توفر حركة محسوبة ودقيقة للظهيرين تجمع بين الدفاع والهجوم تبعاً لطبيعة حركة اللعب داخل الملعب. 4/ توفر بدائل مساندة في الوسط وخط الظهر لملء الفراغات عند: أ/ تقدم الظهيرين أو أحدهما في عملية هجومية. ب/ ارتداد الهجمة إلى الخلف لعدم ترك فراغات واسعة بين الخطوط الثلاثة. ج/ تنظيم دفاعي محكم يتقاسم فيه متوسط الدفاع المسؤولية ويتبادلانها مع الظهيرين د/ حركة وسط نشطة وعلى مستويات لياقية عالية.. فماذا حدث في المباراة؟ الذي حدث بالفعل هو: 1/ أن ناصر الشمراني وياسر القحطاني كانا متباعدين ولا يوجد بينهما الحد الأدنى من الانسجام والتعاون والتكامل داخل الملعب.. بل على العكس من ذلك فقد تركا منطقة المقدمة وتراجعا في أوقات كثيرة إلى الخلف للقيام بأدوار دفاعية ليست مطلوبة من هجوم أريد له أن يكون «صاعقاً» في المقدمة.. وإذا اضطر أحدهما للتراجع فإن على الآخر أن يظل في موقع رأس الحربة في كل الظروف انتظاراً لعودة الهجمة وللكرة المرتدة.. 2/ أن طريقة ريكارد كانت تفترض وجود لاعب صندوق يجمع بين خصيصتين.. خصيصة الشغب.. وخصيصة استقبال الكرات العالية بالرأس وتوجيهها إلى المرمى.. وهاتان الخصيصتان لا تتوفران لا في الشمراني ولا في القحطاني.. وحتى خصيصة لاعب الصندوق الأولى «المهارة» والقدرة على الاختراق والتلاعب بالدفاع العراقي لم تظهر لنا لا من القحطاني ولا من الشمراني.. لأن الدفاع العراقي كان منظماً وكان سريع التعامل مع الكرة في منطقته وموفقاً في تنظيفها بدرجة عالية.. 3/ أن جناحي المنتخب (فهد / سالم) كانا يقومان بجهود كبيرة.. ولا سيما «فهد» في الحركة على الأطراف لكن تلك الجهود لم ترق إلى مستوى اتقان التمرير لكرات عرضية مباغتة للدفاع العرقي ومستمرة من قبل ثنائي المقدمة السعودي «التائه» وبالذات في ظل سيطرة الظهرين العراقيين على منطقتيهما.. وتنظيفهما باتقان وعدم السماح لجناحينا بالحركة باتجاه العمق إلا نادراً ونادرا جداً.. فإذا انعدم التمركز الجيد لمتوسطي الهجوم وفي المقدمة.. وتضاءلت الكرات العرضية.. فكيف كنا نتوقع فرصاً هجومية خطيرة.. كيف كنا ننتظر فوزاً على العراق؟؟ ثانياً: إن مركز الثقل في أي خطة هجومية كاسحة ومحكمة وقوية هو وجود وسط قوي ومتماسك يعتمد على محاور قوية وموزع دقيق للأدوار.. ومن عيوب طريقة (4/2/4) أنها لا توفر الدعم الكافي لهجوم المقدمة.. بما فيهم الأطراف في الظروف العادية فما بالنا أن من اختارهم «ريكارد» هما «سعود كريري ومعتز الموسى» وكلفهما بأدوار دفاعية بحتة.. وهي أدوار ما كان يجب المبالغة فيها لا سيما في ظل وجود دفاع يفترض أنه جيد ومكون من أسامة المولد / وأسامة هوساوي في وسط الدفاع ومن (سلطان البيشي) و(منصور الحربي) في الظهيرين.. وكان عليه أن يبحث عن محور هجومي يقف خلف خط هجوم المقدمة.. يمرر.. ويستقبل الكرة المرتدة.. ويفتح الثغرات لهجوم المقدمة في دفاع الخصم.. ويوزع الكرة على الأطراف ويقترب من الجناحين عند اللزوم.. ويسقط الكرة في منطقة الستة لاستثمارها من قبل المهاجمين.. هذا المحور الداعم والمهاجم لم يكن موجودا بالمرة رغم وجود العديد من المحاور على دكة الاحتياط مثل تيسير الجاسم/ سلمان الفرج / أحمد عطيف / يحيى الشهري.. وحتى عندما تنبه «ريكارد» إلى هذا الخطأ.. خطأ وجود مهاجمين اثنين في المقدمة معزولين عن الوسط وغير متفاهمين على طريقة اللعب وتبادل المراكز.. واضطر إلى إخراج ياسر القحطاني.. باعتباره أقل فعالية من «ناصر الشمراني» وأنزل تيسير الجاسم بدلا عنه.. فإنه ارتكب خطأ أكبر عندما أرسله إلى مركز الجناح الأيمن.. وأدخل (محمد السهلاوي) في المقدمة.. أي أنه عالج الخطأ بخطأ أكبر منه.. فظلت منطقة الوسط مشلولة وغير فعالة وتقوم بأدوار غير ضرورية في وقت ظلت المساندة لهجوم المقدمة معدومة واقتصرت فعالية الهجوم على جهود فردية غير منظمة من ناصر الشمراني ومحمد السهلاوي ولم تؤثر في الموقف بل أضاف العراقيون هدفا آخر في وقت كان يجب أن نحقق التعادل لو أن «تيسير الجسام» أضيف إلى منطقة الوسط وقام بدور تكاملي مع كريري ومعتز الموسى.. ووضع فهد الملد في المقدمة وترك بين المدافعين العراقيين واستفاد من مهاراته العالية ومررت له كرات بينية قصيرة كان عليه استثمارها بصورة أفضل.. وهذا لم يحدث بالمرة لا من حيث وضع اللاعب المناسب في المكان المناسب.. ولا من حيث توزيع الأدوار فيما بينهم بدقة متناهية.. ولا من حيث معالجة أوجه النقص في منطقة الوسط نفسها. ومما ضاعف المشكلة أكثر هو استمرار التغيير الخاطئ عندما أخرج المدرب (معتز الموسى) وأدخل أحمد عطيف.. وهو تغيير لا يضيف جديداً إلى منطقة تبحث عن محور هجومي سريع الحركة.. مما أظهر درجة التخبط لمعالجة منطقة ضعيفة بحلول أضعف.. ومما زاد في ضعف الوسط أكثر.. عدم اكتمال اللياقة.. وضعف الانسجام وارتباك الأدوار مما خلق مسافات شاسعة بين منطقة الهجوم المعزولة في المقدمة وخط الظهر المضطرب في المؤخرة. وألغى دور الأجنحة.. وأفرغ منطقة الظهيرين من تحمل مسؤولية مواجهة اللعب العراقي على الأطراف بكثافة فائقة.. ثالثاً: وقد أدت خطة (ريكارد) المرتبكة هذه إيضاً إلى: أ/ النقص الحاد في مستوى درجة الانضباط في منطقة الدفاع للتصدي للكرات الثابتة والتي تحقق منها الهدفان بشكل ملفت للنظر وغير مقبول.. حيث ساهم (أسامة المولد) في تسريب الهدف الأول إلى مرمانا.. وتسبب (أسامة هوساوي) في الهدف الثاني عندما أودع برأسه الكرة في مرمى (وليد عبدالله) وإن كانت هناك شكوك في أن من تسبب في الهدف هو الظهير الأيمن (سلطان البيشي).. ب/ غياب المهاجم القناص للكرات العالية في منطقة خط ظهر المنتخب العراقي.. وهي المهارة التي يمتلكها المهاجم (نايف هزازي) والذي أبعد مبكراً من التشكيلة لتعرض مستواه للاهتزاز في الآونة الأخيرة.. لكن المدرب (الهمام) لم يوفر البديل الذي يتقن استقبال هذا النوع من الكرات ووضعها في مرمى الخصم.. هذا العجز استمر حتى نهاية المباراة.. لأن جميع المهاجمين الذين اختارهم المدرب لا يجيدون الارتقاء الجيد.. فضلا عن مهارة التصويب بالرأس.. وبالتالي اختفت الكرات العالية ونجح الدفاع العراقي في السيطرة على منطقته تماماً نتيجة غياب هذا النوع من التسديدات العالية العرضية الخطيرة المرفوعة من الجانبين إضافة إلى انعدام الكرات البينية القاتلة.. لغياب التمويل من الخلق.. أو لعدم الانسجام بين المهاجمين أنفسهم. ج/ تفكك الدفاع وعدم انضباطيتهم بالرغم من محدودية الخطر المباشر عليهم.. وضعف عنصر التخطيط للهجمة العراقية في العمق.. بدليل تحقق هدفين من مناطق بعيدة جداً ومن خلال كرات عالية ما كان يجب أن تسفر عن أهداف لولا غياب الانسجام بين (أسامة هوساوي / وأسامة المولد) وضعفهما اللياقي وعدم توفيقهما في التصدي لكرات سهلة وعن بعد.. وفي النهاية.. فإن الهزيمة كانت طبيعية في ظل غياب اللاعب الليبرو.. والقائد المنظم لحركة اللعب داخل الملعب.. بالرغم من أن المنتخب العراقي كان عادياً للغاية وإمكاناته لم تتجاوز حدود الاجتهاد الشخصي والقتالية المنظمة والانضباط الدفاعي الجيد.. وهذا ما يجعلنا نخاف كثيراً على المنتخب «المفكك الأوصال» نتيجة سوء اختيار التشكيلة النهائية.. وعدم كفاية الإعداد لخلق التجانس المطلوب.. وانعدام «البوصلة» وخطأ اختيار خطة اللعب المناسبة للمنتخب المقابل الأمر الذي يفرض سؤالا هاماً هو: إلى أين سيوصلنا ريكارد في هذه البطولة لا سيما وأن إدخال عناصر جديدة إلى التشكيلة غير ممكن بعد أن بدأت البطولة؟! لذلك كله.. فإن علينا أن لا نفاجأ بنتائج أخرى لا تقل سوءا عن نتيجة المباراة الأولى لمنتخب لم يلعب مباراة حبية واحدة ولم يخضع لبرنامج إعداد لياقي متكامل.. والتردد في اختيار التشكيلة إلى ما قبل بدء البطولة بيوم واحد.. لكن المهم هو.. هل يستمر هذا الوضع وإلى متى؟ وإذا كان صحيحاً أن ريكارد يدير المنتخب عن بعد ومن مقر سكنه في البحرين.. فأي انسجام وأي تكامل وأي تعاون وأي لياقة وأي فكر سوف يسيطر على العمل الفني في إدارة شؤون المنتخب؟ أسئلة كثيرة نريد لها إجابات واضحة.. لأنه لا ذنب لنا كبلد.. وكجماهير.. وكمتخصصين في تلقي صفعات متوالية نتيجة أخطاء لا يمكن القبول باستمرارها.