التأكيد على الاتحاد الخليجي والسعي له بكافة أجندته دليل قاطع على رغبة القادة الخليجيين في بلورة رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتحديات المنطقة وكيفية التعامل معها، والتي لم تعد فقط دعوة رسمية، بل مطلبا شعبيا حقيقيا لترسيخ أهمية المواطنة الخليجية، وأهمية التفعيل التكاملي للوحدة الخليجية. ومن هذا المنطلق كان التحدي الاقتصادي هو أبرز التحديات والأكثر شمولية لما يترتب عليه من اتحاد بكافة السياسات النقدية والمالية لمنطقة تعتبر مصدرا لشريان العالم «النفط» وخلق تكتل قوي في ظل زمن التكتلات والاتحادات القوية. وواقع الأمر أن الدفع نحو تحقيق مطلب الاتحاد، مثلما ورد في البيان الختامي وإعلان الصخير، حيث الالتزام بتطبيق كافة قرارات المجلس الأعلى المتعلقة بالتكامل الخليجي في جميع المجالات، جاء ليعبر بصدق عن منطق الإنجاز الذي يحكم منظومة العمل بدول المجلس، والمضي قدما في البرامج والخطط الموضوعة نحو التكامل الفعلي، وذلك وفق خطوات متدرجة ومدروسة وتبعا لخصوصية الوضع الخليجي بعيدا عن أي قفزات فجائية لا تراعي ظروف المرحلة. ففي ظل الناتج المحلي الخليجي الكبير والذي يصل إلى ما يقارب 1.4 تريليون دولار، يبقى مشروع التكامل والوحدة الخليجية أمرا ضروريا ولا بد منه، فيعد تفعيل الجانب الاقتصادي بوضع آليات قانونية وتطبيقية تواكب المتغيرات، ورسم رؤى جديدة لدعم كافة المجالات الاقتصادية والاستمرارية بهذا البرنامج هو ركيزة العلم الاقتصادي في الخليج. ولا شك أن وجود كيان خليجي يضارع التكتلات الشبيهة سيمثل طفرة في عالم اليوم، عالم لم يعد يسمح للكيانات الصغرى بالوجود أصلا، خاصة أن منطقة الخليج بطبيعتها تعد من أكثر مناطق العالم سخونة بما تحويه من صراعات ومخاطر، ومن ثم لم يعد ممكنا لدولة أن تواجهها بشكل منفرد. علما أن هناك ما تم إنجازه خلال الفترة الماضية لتعزيز العمل المشترك الخليجي في الجانب الاقتصادي، كطرح مذكرة اقتصادية استعرضت طرح مشروع القواعد الموحدة للأسهم المالية في الأسواق المالية، ومشروع قواعد الإفصاح الموحدة للأوراق المدرجة في الأسواق المالية، ومشروع المبادئ الموحدة لحوكمة الشركات، والرقابة المصرفية الموحدة لدول التعاون. وفي المجال الصناعي والتجاري، تم الاتفاق على نظام المنافسة الموحد لدول التعاون، ودراسة ووضع الصياغة النهائية لمكافحة الغش التجاري وحماية المستهلك والتعاون الصناعي وتقييم الاستراتيجية الصناعية الحالية للمجلس، كما تم الإعلان مؤخرا عن الخارطة الصناعية للمشروعات والتي ستفتح آفاق التعاون بين الشركات الخليجية. كما درست دول التعاون جهود إنشاء هيئة للاتحاد الجمركي الذي وضع برنامجا زمنيا لتطبيقه وصولا لتحقيقه في 2015، والذي سيعمل على تنظيم العلاقات بين الشركات في المنطقة، واستعرضت أيضا ملفات القطار الخليجي ومساره وآلية عمله، والسوق الخليجية المشتركة التي بدأت مرحلة التكامل في 2007. المطالبات الحقيقة في الوقت الراهن تكمن في كيفية الحد من غسل الأموال بدول الخليج وفتح الأبواب أمام الاستثمارات الخارجية وطرق جذبها وسن قوانين لهذا الجانب، بالإضافة إلى كيفية إدارة الاحتياطيات المالية التي تمتلكها دول الخليج بحيث تعود الفائدة الاقتصادية والسياسية للكيان الخليجي على أكمل وجه. *مستشارة اقتصادية في مركز الأفق الوطني