أصدرت وزارة التربية والتعليم قبل سنوات قرارا بدمج تعليم الصفوف الأولية «المرحلة الابتدائية» بنين وبنات، واستهدفت الوزارة بقرارها وقتذاك توفير فرص وظيفية للخريجات، وخدمة وتطوير العملية التعليمية وتسريعها وكان مصدر قد أوضح في وقت سابق أن القرار لا يشمل المدارس الحكومية، وأنه أمر غير مخالف للسياسة التعليمية، ويأتي تطبيقا للمادة 14 من نظام التعليم الأهلي، الذي منح مدارس القطاع الخاص حق تطبيق نماذج لا تخالف السياسة التعليمية في البلاد، ومنها تكليف المعلمات بتدريس طلاب الصفوف الأولية. بعد مرور فترة غير قصيرة على صدور القرار وقفت «عكاظ» على تقييم التجربة وأسباب تعثرها في بعض المناطق وعدم تطبيقها في كافة المدارس. نوال باعقبة المشرفة التعليمية في مدارس نموذجية للبنات تقول إنها من خلال تجربتها في تكليف المعلمات بتدريس طلاب الصفوف الأولية لاحظت إيجابيات كثيرة منها ارتفاع مستوى الطلاب وحسن تأسيسهم كون المعلمة امرأة تهتم بالتفاصيل وتحاول وضع الطالب على الطريق العلمي الصحيح. وتضيف باعقبة أن هذا الرأي لا يمثل تقليلا من دور المعلم الرجل، لكن المرأة تتعامل بدقة و«رقة» مع الطفل تجعلها تعتني بكل ما يهمه ومعرفة الفروقات الشخصية بين الطلاب، ومن الإيجابيات أيضا حماية الطفل في سني دراسته الأولى من عنف الأطفال الأكبر سنا. هدوء وانضباط وتواصل نوال باعقبة وتقول إن مدرستها خصصت الفصول المناسبة لكل صف ويتمتع الطلاب بحركة أكثر مقارنة بالطالبات، الأمر الذي يسبب صعوبة في عملية ضبط الفصل الدراسي وعدم تقيد الأغلبية من الطلاب بالقوانين الفصلية وتلعب التنشئة المنزلية دورا في تعليم الطفل الانضباط والانصياع لأمر المربي. وتتابع أنها وقفت على تجربة سابقة في مدارس أهلية، كما لاحظت موافقة وقبول الأسر للفكرة حتى الصف الثاني ونقلهم في السنة الأخيرة من الصفوف الدنيا لمدارس البنين. وعن مدى اكتساب الطلبة صفات بعضهم تقول: إن الطلاب يتحفظون بخصائصهم النفسية والسلوكية وكذا الطالبات، ولكن الطالب يتعلم الهدوء والانضباط وحسن الإنصات بشكل أكبر. وتشير إلى أنه في داخل المدرسة يتم الفصل بين الجنسين في أوقات الفسحة وأوقات الانصراف موحدة. فصل السنة الثالثة هنادي مؤمنة مديرة مدارس أهلية شرحت أسباب إلغاء الصف الثالث الابتدائي من عمليات الدمج وقالت أنها تلاحظ أن عدم مناسبة أطفال السنة الثالثة للدمج بسبب وعيهم وفهمهم لما يدور حولهم، بالإضافة إلى تمردهم على المعلمة كونها امرأة، واحتياج الطفل في هذه السن إلى مساحات كبيرة للعب واللهو. وزادت هنادي: إن هذا السبب جعل إدارة المدرسة تفكر في الأمر كون الطالب في هذا العمر يحتاج إلى توجيه المعلم لا المعلمة لأن الطفل نفسه يستمع إلى نصائح والده أكثر من والدته. وبعد دراسة إيجابيات وسلبيات التجربة تقرر إلغاء الصف الثالث خصوصا وأن أغلبية المدارس اقتصرت على الصفين الأول والثاني الابتدائي. وعن مدى إمكانية تعميم التجربة على كافة مناطق المملكة تقول مؤمنة: من الصعب تعميم التجربة لأن الطفل ينشأ في بعض المناطق على مهابة الرجل لا المرأة، وبالتالي يصعب تقديم احترامه لمعلمته، وفي مناطق أخرى يمكن تطبيقها لتعود الطفل على التعامل مع المرأة. مصيبة التعليم المربية ورئيسة لجنة التعليم الأهلي في الغرفة التجارية فريدة الفارسي من وجهة نظرها ترى المرأة أقدر على التعامل مع الطلاب في السن الصغير نظرا لأن الأم هي المتابعة لطفلها في النواحي التعليمية ومتابعة أوضاع طفلها في المدرسة بالتواصل المستمر مع المعلمات، وتقول إنها كتربوية لاحظت أن العنف أكبر ضد الصفوف الأولى من الطلاب أقرانهم الأكبر سنا. وعن عدم تطبيق التجربة تقول الفارسي: إن المجتمع يتخوف من تعليم المعلمة لأبنائهم الذكور تحسبا من اقتباس الطفل لصفات أنثوية، كما أن البعض يتشدد ويرفض الفكرة مع أن الطلبة في بدايات التعليم في المملكة كانوا يدرسون لدى من سميت ب (الفقيهة) وينهلون منها علمهم، وتقول إن البعض يعتقدون أن الطفل في هذه السن يمكن أن ينظر للمعلمة نظرة أخرى وهذا القول مردود والمشكلة إن حدثت فهي مسؤولية الأسرة. وتضيف الفارسي: إن الهدف من الفكرة تمكين الطالب من الحصول على تأسيس جيد وتأهيليه للانتقال إلى مدرسة بنين في عمر مناسب، ولا بد أن تكون المعلمة مؤهلة تأهيلا جيدا يمنحها القدرة على استيعاب الطلبة البنين والبنات لأن مستوى المعلم والمعلمة ينعكسان سلبا أو إيجابا على مستوى الطلبة. وتحسين التعليم يبدأ من الكليات والجامعات بتدريس الطلبة خصائص نمو كل مرحلة وكيفية التعامل معها، وطريقة إدارة الصفوف وإكساب الطالب تقديرا لذاته و هي جميعها الأمور التي نفتقدها اليوم في التعليم نتيجة لنقص كفاءة المعلمين والمعلمات وهي المصيبة التي أصيب بها التعليم حسب وصفها. لين ولطف عباس عبدالحكيم معلم صفوف أولى يقول: نعاني من صعوبة في تعليم الصف الأول في الستة أسابيع منذ بداية الدراسة لتعود الطفل على الأم، ومفاجأته بمجتمع ذكوري من المعلمين والطلاب الأكبر منه سنا، ويتم التعامل بلين ولطف مع هذه الفترة تبدأ بالأسبوع التمهيدي لكسب ثقة الطالب، حيث لا يتم إلزامه بأي مقررات ولا واجبات وبعد فترة يتأقلم الطفل مع الوضع الجديد رويدا رويدا. وعن عملية ضبط الفصل الدراسي يقول عبدالحكيم: نجد صعوبة في عملية الضبط في هذه المرحلة، كون الصغار أكثر حركة، لا نستطيع التعامل معهم بشدة خوفا من تنفيرهم، ولا بلين حتى لا يتعودوا عدم الانضباط، ونلجأ إلى أسلوب التحفيز والكلمات المشجعة والهدايا الرمزية، ونرجو من أولياء الأمور معاونتنا على تأسيس أبنائهم وأن يتفهموا وضع المعلم الذي يدرس فصلا يحوي قرابة الأربعين طالبا ولا يتمكن من توفير وقت خاص لكل طفل في الفصل. مجتمع أنثوي نهى الحربي والدة طالب في الصفوف الأولية تقول إنها تفضل المعلمة على المعلم في تدريس الصفوف الأولى، لأن ذلك يسهل لها عملية التواصل ومتابعة حالة طفلها، فالأب مشغول بعمله ونادرا ما يحضر مجالس الآباء ولا يسمح بتواصلي مع المدرسة. أما عبدالعزيز النفيعي والد طفلين في المرحلة الابتدائية فيقول: لا أرضى أن تعلم ولدي معلمة أريد أن أرى ولدي رجلا في المستقبل، فكل ما سأغرسه فيه من صفات رجولية في هذه السن سيتلاشى في مجتمع أنثوي. التعليم والانتقادات «عكاظ» طرح قضية تأخر تدريس المعلمات للصفوف الأولية على مدير إدارة التربية والتعليم في محافظة جدة عبدالله الثقفي فقال: إن التجربة ناجحة في منطقة جدة للسنة الثانية من خلال مؤشرات واقعية لأن المرأة أقرب للطفل وأكثر تحملا، وانطلقت التجربة في المدارس الأهلية بطلب من ملاك المدارس بعد تهيئة البيئة المناسبة وهي مشجعة لتدخل فصول المدارس الحكومية. وعن أسباب تأخير تعميم التجربة على كافة مناطق المملكة يقول الثقفي: «إن التجديد في العملية التعليمية يحتاج إلى الوقت لتطبيقه على نماذج أولا ثم توسيع التجربة، وليست كل البيئات المدرسية مهيئة لاستقبال التجربة، والمأمول من أولياء الأمور التحلي بالوعي الكافي والتعاون مع المدرسة، وبالنسبة للمدارس المطبقة نتمنى منهم انتقاء المعلمات المتفهمات لمتطلبات المرحلة. وعن تباين الآراء حول تقبل الصف الثالث الابتدائي في مدارس البنات يقول: شخصيا لا أتفق ولا أختلف مع التربويين، لأن الآراء تتباين بشكل طبيعي في القضايا التربوية ونحن نتقبل جميع الآراء والانتقادات لإيماننا بأن المجتمع شريك في التطوير .