في أمر غير مسبوق، دمجت 11 مدرسة أهلية في مدينة جدة بين الطلاب والطالبات في الصفوف الأولية، تحت إشراف معلمات يتولين عمليتي التربية والتعليم لطلبة وطالبات هذه الصفوف، وهو ما أثار جدلا محدودا سعت إليه فئة ممن يعارضون (الاختلاط)، حتى بالنسبة إلى أطفال لم يبلغوا الحلم بعد، بمواجهة المؤيدين الذين يرون أن الفصل لا مبرر له، ويؤسس لثقافة (القطيعة) بين الرجل والمرأة منذ سن مبكرة، وفي مجتمع يقوم عماده على الأسرة. وفيما يلي وجهات نظر المؤيدين والمعارضين مع آراء تربوية متخصصة في هذا الشأن. المرأة أرقّ تصف مها العبيدي (معلمة في مدرسة حكومية بالمرحلة الابتدائية) هذا القرار بأنه “حكيم ومن صميم أساسيات العملية التربوية والتعليمية”، وترى أنه يجب تعميمه في كل المدارس الحكومية والخاصة، ودراسة إيجابياته وسلبياته بعد فترة من تطبيقه. وأضافت: “هذا الأسلوب معمول به في كل دول العالم وبينها الإسلامية والعربية، وأيضا كل دول الجوار، فالأطفال يحتاجون إلى الرعاية والعناية، والمعلمة ستكون مربية قبل أن تقوم بعملها التعليمي؛ فالمرأة قادرة على التعامل مع الطلبة الصغار بشكل أكبر من الرجل بحكم طبيعتها وقدرتها على الاستماع والتعامل اللطيف، بعكس الرجل الذي لا يتحمل الأطفال بطبيعته”. المرأة لا تتحرش! وتشير أم عبدالعزيز (أم لطالب في الابتدائية) إلى أن هذا القرار لو طبق منذ سنوات كثيرة لكان حال ابنها أفضل مما هو عليه الآن. وتوضح: “لدي طفل تعرض لتحرشات جنسية من مدرسين وهو بالصف الأول الابتدائي ونقلناه إلى أربع مدارس والحادثة نفسها تتكرر، وما حدث له أثر على نفسيته بشكل سلبي وعلى سلوكه وأصبح منطويا ومكتئبا وعدوانيا جدا”. وترى أم عبدالعزيز أن طفلها سيلقى العناية التامة بين يدي امرأة تحميه وستراقبه كما هي معتادة مع أطفالها، بينما لن يحصل على شيء من ذلك لدى المعلمين الذكور”. صدمة نفسية ويقول فيحان العتيبي (ولي أمر طالب): “إن هذا القرار صائب وسليم”، ويؤكد أن الأطفال في هذه المرحلة في حاجة إلى رعاية خاصة لا يستطيع المعلم توفيرها؛ فهو لا يتحملها بحكم طبيعته كرجل، وخروج الطفل عامة من المنزل وتحديدا من الرعاية الأنثوية المنزلية إلى الرعاية الذكرية النظامية المدرسية قد تشكل صدمة نفسية عند الطفل وقد تسبب له عقدة نفسية بسبب تعامل المعلم معه وهو في هذه السن التي يحتاج فيها إلى رعاية واهتمام بشكل أكبر وأكثر. فرصة للتعارف وتقول أسماء عبدالله (معلمة في مدرسة حكومية ابتدائية): إنها “تؤيد وبشدة هذا القرار”، وتضيف: “كثير من الرجال في مجتمعنا يجهلون المرأة ولا يكادون يعرفون عنها أي شيء، والأطفال في هذه المرحلة في حاجة إلى معرفة الجنس الآخر؛ حتى يتعلموا كيفية التعامل معهم ؛ بالإضافة إلى أن المعلمة ستكون أكثر اهتماما بالطفل من المعلم؛ وذلك لطبيعتها كأم”. وتوافقها أم روان بقولها: “هذا القرار ننتظره منذ سنوات ونريد أن تصبح المرحلة الابتدائية مختلطة؛ حتى ننتج جيلا قويا ومكافحا وواثقا بنفسه، ودور المدرسة عامة ليس تعليما فحسب، بل هو تربوي أيضا، وهذان الأمران تبرع فيهما المعلمة أكثر بحكم عاطفتها وتفانيها في العمل وقربها من الصغار وصبرها عليهم”. نظرة إلى السلبيات ويشير علي الحمدان (ولي أمر طالب) إلى أنه من الضروري النظر إلى السلبيات الناتجة عن هذه التجربة ووضعها في الاعتبار، مؤكدا أن لكل نظام جديد إيجابياته وسلبياته ويجب دراسة القائمتين بعدل وتوازن للتعرف على الوضع الأفضل فيما يخص الدمج. ويوضح الحمدان أن ثمة تجارب لدول ومجتمعات أخرى وهو يرى أنه بالإمكان دراسة هذه التجارب للخروج بالوضع الأفضل. ويتفق معه مساعد عبدالعزيز (ولي أمر طالبة) الذي يرى أن الدمج يجب أن يحصل في المجتمع قبل أن يكون في المدرسة، مؤكدا معارضته لهذه الفكرة «لأنها لا تخرج بنتيجة، فالطفل بعد الصف الرابع سيعود لحالة العزل القائمة»، وبالتالي فإن هذه الفترة القصيرة من الدمج الذي يعقبه عزل شديد، قد تؤثر في نفسية الطفل وتركيبته الاجتماعية، والناتج من كل ذلك بحسب رؤية مساعد، هو تشتيت الأطفال بين ما يواجهونه في المدرسة وما يواجهونه في المجتمع، وقد تكون الحيرة نتيجة نهائية لتمثل هذا التشتت.