الأزمة السياسية الراهنة في مصر، آخذة في التفاقم والتصاعد، منذ تفجرت، إثر إصدار الرئيس المصري محمد مرسي إعلانه الدستوري في 21 نوفمبر الماضي، ثم قراره تنظيم استفتاء شعبي على مسودة الدستور الجديد في 15 من شهر ديسمبر الجاري ، ولا يلوح في الأفق القريب، بارقة أمل، في تجاوزها والتغلب عليها، في ظل تشبث الأطراف المتعارضة على مواقفها. وقد كان لافتا تصاعد الضغط السياسي والتعبئة الشعبية من قبل المعارضة السياسية والمدنية، ضد الإعلان الدستوري والاستفتاء في الآن معا، حيث نظمت الحشود الجماهيرية في الميادين والساحات (بما في ذلك محيط قصر الاتحادية مقر رئاسة الجمهورية) ليس في القاهرة والمدن الكبرى فقط بل شملت ولأول مرة مناطق طرفية وبعيدة مثل الصعيد، وهو ما لم يحدث في ذروة ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ووصل الأمر إلى رفع شعارات جذرية (راديكالية)، سبق أن رفعت في عهد الحكم السابق، مثل، شعار أرحل، والشعب يريد إسقاط النظام، وكذلك تم إحراق بعض مقرات الإخوان المسلمين في القاهرة والمحافظات الأخرى، والذي جاء، كرد فعل على هجوم مناصري (ميليشيا الإخوان وفقا للمعارضة) الرئيس للمعتصمين قرب جدران قصر الاتحادية، والذي أوقع 8 قتلى ومئات الجرحى منهم، وكذلك استمرار حصار جماعة الإخوان لمقر المحكمة الدستورية العليا، بهدف تعطيل عملها، وبالتالي منعها من اتخاذ مواقف ضد القرارات الرئاسية الأخيرة، والتي تتضمن حصانة مجلس الشورى والجمعية التأسيسية (التي يسيطر عليهما الإخوان المسلمون والسلفيون)، وما يتفرع منها (مسودة الدستور) من الحل. وما فاقم الأمر من وجهة نظر المعارضة، ليس التجاهل فقط، بل واتهام المتظاهرين والمعارضة أو بعضهم بأنهم فلول النظام السابق، وضمن هذا السياق، كلف النائب العام المصري، الذي عينه الرئيس محمد مرسي أخيرا، المحامي العام لنيابات أمن الدولة العليا بالتحقيق في البلاغ المقدم من لجنة حقوق الإنسان (يسيطر عليها الإخوان المسلمون) بنقابة المحامين ضد عدد من قيادات جبهة الإنقاذ هم محمد البرادعي، رئيس حزب الدستور، وحمدين صباحي، وعمرو موسى، لاتهامهم بالخيانة العظمى والتآمر والانقلاب على الشرعية وهو ما اعتبر بمثابة ممارسة ضغوط سياسية وأمنية ضد جبهة الإنقاذ الوطني، التي رفضت دعوة الرئيس مرسي للحوار والتهدئة ما لم يستجب الرئيس لمطالب المعارضة في إلغاء الإعلان (جرى التراجع عنه لصالح إعلان آخر) الدستوري، وتجميد الاستفتاء على مسودة الدستور . السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا هذا التركيز على محورية ومركزية الدستور في الحياة المصرية، سواء من قبل السلطة وأنصارها من جهة، أو من قبل المعارضة السياسية والمدنية من جهة أخرى؟ كلمة الدستور ليست عربية الأصل ولم تورد في القواميس العربية القديمة، لا من حيث المعنى أو المبنى، بل هي مستقاة من اللغة الفارسية، غير أن المعنى المعاصر لها، جاء من الغرب «الكافر» في أعقاب ثوراتها (الإنجليزية والأمريكية والفرنسية) الكبرى، ويعد الدستور أو العقد الاجتماعي (بين الحاكم والمحكوم) بمثابة أب القوانين، التي تتفرع منه أو على أساسه، وقد عرفته الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) أنه القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات، وحدود كل سلطة، والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، ويضع الضمانات لها تجاه السلطة. ويشمل اختصاصات السلطات الثلاث (السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية) وتلتزم به كل القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي، فالقانون يجب أن يكون متوخيا للقواعد الدستورية، وكذلك اللوائح يجب أن تلتزم بالقانون الأعلى منها مرتبة إذا ما كان القانون نفسه متوخيا القواعد الدستورية. وفي عبارة واحدة تكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة دستورية واردة في الوثيقة الدستورية. إذا الصراع الدائر في مصر يتمحور حول طبيعة الدولة المصرية المنشودة ومحتواها، هل هي دولة مدنية، يتمايز فيها الدين (المقدس والثابت) عن السياسة (المدنس والمتغير) أم دولة دينية يوظف فيها المقدس لخدمة المدنس، على غرار هيمنة الكنيسة في أوروبا في العصور الوسطى، حيث ساد الحكم المطلق، تحت مبرر تعاليم الدين (الشريعة) . برامج وشعارات الإخوان المسلمين المعلنة (لم يجر التراجع عنها حتى الآن ) أو المستترة، من وجهة نظر المعارضة، تتضمن، شعارات، مثل، الإسلام هو الحل، والقرآن دستورنا، والخلافة هدفنا، والشريعة مطلبنا، والسيف لمن يعادينا.. وبكلمة جعلوا من أنفسهم أوصياء، على الدين والدنيا معا. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة