عشر سنوات مضت على طرح المبادرة العربية للسلام، والتي اعتمدها العرب في قمة بيروت، كاستراتيجية للسلام، وكحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، المبادرة أحدثت حينها هزة في الساحة السياسية الدولية، قبلتها اللجنة الرباعية، وصاغها مجلس الأمن ضمن القرارات المتتالية حول القضية الفلسطينية، إسرائيل وحدها وقفت ضد المبادرة ورفضتها. وبرزت أمس الأول في لجنة المتابعة للسلام بعض الأصوات مطالبة بإعادة النظر في المبادرة، بينما أصر آخرون على ضرورة بقائها إحراجا لإسرائيل، باعتبارها أحد مشاريع السلام التي أجمع عليها العرب خاصة أنه لايوجد بديل لها، إذن ما هو مصير المبادرة ؟ في عالم السياسة دوما هناك مفارقات وأيضا هناك متغيرات، وربما تقلبات في المواقف والرؤى السياسية العامة والخاصة، ويبدو أنا نقف أمام أكثر تلك المفارقات التي تصل إلى حد القول، بضرورة «إعادة النظر في مبادرة السلام» وهناك من يقول إنه يجب ان تبقى للأبد. ويمكن القول، بأن التغييرات الهائلة في المنطقة تشكل «رافدا ثوريا» للوقوف في وجه دولة الاحتلال، لكن الذهاب بالموقف من «زمن المبادرة العربية» إلى «زمن غامض»، ليس هو الحل إلا بإيجاد البديل. فاستمرار المبادرة يحرج إسرائيل ويعكس رغبة العرب في السلام رغم الصلف الإسرائيلي. ولهذا جاء ت ردة فعل الرئيس الفلسطيني أبو مازن الذي قال، إن المبادرة العربية التي وافق كل العرب عليها، لا ينبغي إزاحتها من على الطاولة، فالمبادرة العربية سبق ووضعت إسرائيل في الزاوية. موقف آخر مؤيد لبقاء مبادرة السلام، جاء من وزير خارجية مصر محمد عمرو، الذي أكد أن مبادرة السلام العربية توفر فرصة تاريخية لإسرائيل كي تعيش في سلام، ليس فقط مع جيرانها، وإنما مع العالم العربي والإسلامي دون استثناء.على الجانب الآخر، في الساحة الفلسطينية، الأشقاء منقسمون، بانتظار عقد المصالحة وإنهاء الانقسام، والمعارضون لنهج السلطة في المفاوضات والسلام، لا يرون في المبادرة العربية أي فرصة للسلام ويعتبرون أن إسرائيل قبرتها من يومها الأول، غير أن القيادة السياسية للشعب الفلسطيني تقول إن العمل السياسي يمكن أن يؤتي ثماره مثلما تؤتي المقاومة المسلحة ثمارها، وتضرب بما حدث في الأممالمتحدة، من قبول لفلسطين كدولة مراقب «غير عضو»، خير مثال على العمل السياسي الجاد الذي عزل إسرائيل في الساحة الدولية وحشرها في زاوية المحتل والمتطرف والمنبوذ. وما بين إعادة النطر في المبادرة واستمراريتها، هل يمكن أن يحدد العرب «خارطة طريق» لمستقبل القضية الفلسطينية، خاصة بعد أن حقق الفلسطينيون نصرين في شهر واحد، في غزة ونيويورك، وهم على أبواب تحقيق نصر ثالث بتنفيذ اتفاق المصالحة وإنهاء الانقسام الأسود، وتحقيق وحدتهم الفلسطينية، بانتظار تحقيق وحدة الموقف العربي، لكن يبدو أن انشغال العرب بأوضاعهم الداخلية سيجعلنا ننتظر عشر سنوات أخرى لنرى الطريق أمام «خارطة الطريق» العربية المطلوبة بديلا ل «المبادرة العربية»!!.