تتعدد في دنيانا أشكال الواسطة، فهي قد تكون محمودة ومن باب الشفاعة الحسنة، ويكون ذلك عن طريق مساعدة صاحب الحق في الوصول إلى حق مقرر له قانوناً، لكنه لا يملك الوسائل التي تمكنه من الوصول إلى حقه، أو أنه قد حرم منه لسبب لا يعود إليه هو؛ كما قد تأخذ الواسطة المحمودة شكل مساعدة شخص لإعفائه من ما هو غير واجب عليه قانوناً، إلا أنه ألزم به من دون سند قانوني ومن غير وجه حق. والواسطة قد تكون عملاً مذموماً ومن باب الشفاعة السيئة وشكلا من أشكال الفساد الإداري، إذا كانت لمساعدة شخص للحصول على منفعة لا يستحقها قانوناً، أو لإعفائه من القيام بما هو مفروض عليه قانوناً، مما يترتب عليه مخالفة القانون أو إلحاق الضرر بالآخرين. ولقد اعتبر نظام مكافحة الرشوة الواسطة المذمومة في حكم الرشوة، بالنص على أن أي موظف عام يستجيب للواسطة، ويقوم بسببها بعمل، أو يمتنع عن عمل من أعمال وظيفته بشكل مخالف للقانون (العبرة بمخالفة القانون)، فإنه يكون مستحقاً للعقوبة وهي: السجن لمدة أقصاها ثلاث سنوات، أو غرامة لا تتجاوز مائة ألف ريال، أو بالعقوبتين معاً. أما إذا استجاب الموظف للواسطة، وحقق مصلحة صاحب الحاجة، إلا أنه لم يخالف القانون بل عمل بما تفرضه عليه مسؤوليات وظيفته، ففي هذه الحالة لا تقع جريمة الاستجابة للواسطة، ولا يكون الموظف مستحقاً لأية عقوبة. فلابد من تغيير نظرة المجتمع للواسطة، عن طريق نشر الوعي بين أفراد المجتمع وتوضيح الفرق بين «الفزعة» (الواسطة المحمودة)، والواسطة المذمومة، وبيان الضرر الذي تلحقه الواسطة المذمومة بالمجتمع؛ ونتمنى على الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أن تضطلع بدورها في هذا المجال عن طريق إقرار مبدأ الوضوح (الشفافية) داخل الدوائر الحكومية، والعمل على تسهيل الإجراءات، وتفعيل حملات التوعية في وسائل الإعلام، والتنسيق مع العلماء والخطباء والمؤسسات التعليمية ليقوم كل بدوره في التوعية والتحذير من الواسطة المذمومة، ويجب أن لا ننسى دور أهل الحسبة في محاربة الواسطة المذمومة، وهذا باب كبير يتحتم عدم إغفاله لما فيه من نهي عن المنكر.