لو أتيح للناس الحصول على قيمة مادية ولو رمزية على قمامتهم، لحافظوا عليها داخل بيوتهم في أكياس مفروزة، ولما رموها بكل عشوائية خارج أسوار مساكنهم غير عابئين بما تسببه من تلوث بيئى وبما تعكسه من تخلف حضاري. أذكر عندما كنت في بريطانيا لدراسة الدكتوراه قبل ثلاثين عاما، كنا نحتفظ بالقمامة داخل المنزل في أكياس البلاستيك، ولا نخرجها إلا في مواعيد جمعها من قبل البلدية، كما أن المجمعات السكنية ملزمة بتأمين مكان مخصص لتخزين أكياس القمامة اليومية، وبذلك تكون الشوارع نظيفة والحي نظيفا والمدينة بأكملها نظيفة. وأذكر أني زرت ابنتي التي تدرس في هولندا قبل ثلاثة أعوام، فرأيتها تضع القمامة فى مخزن له غطاء يفتح ببطاقة ذكية باشتراك شهري إلزامي للتخلص من القمامة. إن الاهتمام بالقمامة على هذا المستوى الحضاري نراه في الدول المتقدمة؛ لالتزامها بالمحافظة على البيئة على أعلى مستوى، في حين أن منظر القمامة يعتبر مشهدا عاديا في الدول النامية، وبخاصة في أحياء ذوي الدخل المحدود أو الأحياء الفقيرة، ولم تنجح البلديات في تلك الدول حتى الآن لحل مشاكل القمامة حلا جذريا واستثمارها في مشاريع التدوير، وتركت القمامة للنبش العشوائى وبيع بعض مكوناتها بثمن بخس فى سوق سوداء. أعجبتني مبادرة الشاب المصري شرف إمام الذى يعمل في جمع القمامة، وتعاونه مع المهندسة بشرى العبدوانية من سلطنة عمان في إطلاق موقع إلكتروني باسم (النفايات الذهبية) لتثمين ما تحتويه القمامة، من خلال الباركود المطبوع على البلاستيك أوعلب الألمونيوم للمشروبات الغازية، وبالتالى تحدد قيمة القمامة بما تحتويه من مواد، كما أعجبنى أيضا البرنامج الوطنى للتوعية البيئية والتنمية المستدامة (بيئتى)، والذى أطلقته جمعية البيئة السعودية مع أمانة محافظة جدة لجمع النفايات العضوية في حاويات مختلفة الألوان لفرز نفايات البلاستيك عن الزجاج والمعادن وعن النفايات الورقية، وأتمنى أن لا تكون هذه النفايات المفروزة بضاعة جاهزة لنابشات النفايات، فأولئك النسوة لا يخضعن لأي مساءلة قانونية في نبشهن للحاويات، بل أتمنى أن يحقق البرنامج بيئة أنظف لبيئة صحية، ولعلنا نستفيد من تجارب الدول المتقدمة في التعامل مع القمائم، ونطرح أفكارا إبداعية في هذا الشأن، والاستثمار مع القطاع الخاص في تدوير القمامة، بدلا من التعامل معها كعبء على البلديات وترصد لها ميزانيات غير كافية تكون نتيجتها تكليف شركات غير مؤهله تعجز عن دفع رواتب عمالها لعدة أشهر، فيمتنعون عن العمل، ويتحولون إلى متسولين، وتتحول شوارعنا وأزقة الأحياء الفقيرة إلى متحف مفتوح للقمامة. Dr- [email protected]