كتبت أكثر من مرة عن الأخطاء الطبية.. وتحدثت عنها في أكثر من برنامج تلفزيوني محذرا من تفاقمها وتداعياتها.. مؤكدا أنها باتت «ظاهرة» تستوجب التصدي الحازم.. وفي آخر مقال لي عن الأخطاء الطبية نشر في هذه الجريدة، قلت إن المؤلم والمؤسف هو أنني لم أر حتى الآن أي خطوات جادة من قبل وزارة الصحة باعتبارها الجهة الرسمية المسؤولة لمواجهة مسلسل الأخطاء الطبية الدامي والمستمر تصاعدا.. إلى أن حدثت حادثة وفاة الطفل صلاح الدين يوسف جميل.. الذي أود هنا أن أتقدم بخالص العزاء وصادق المواساة لذويه.. ولا سيما والديه، داعيا المولى عز وجل أن يلهمهم الصبر والسلوان في مصابهم الجلل.. وأن يجعله شفيعا لوالديه يوم القيامة بإذنه تعالى. وعلى خلفية وفاة الطفل الشهيد صلاح الدين جميل قامت وزارة الصحة بإغلاق مستشفى عرفان.. السؤال هو: هل الإغلاق سيعالج مشكلة الأخطاء الطبية في المستشفى بعد أن يعاد تشغيله؟. إن ما حدث من أخطاء طبية في هذا المستشفى يحدث في مستشفيات أخرى حكومية وخاصة.. أكثرها لا يكتشف!!. فهل سيتم إغلاق كل مستشفى يكتشف فيه خطأ طبي؟!. إن نتيجة إغلاق المستشفى أدت إلى نقل 280 مريضا منوما و45 مريضا منوما في العناية المركزة و39 في الغسيل الكلوي كما جاء في «عكاظ». يحدث هذا في وقت تعاني فيه مدينة جدة على وجه الخصوص من أزمة خانقة في أسرة المستشفيات المتوفرة.. وهذه الأزمة لا تقل خطورة عن الأخطاء الطبية!! وسبق أن حذرت منها في مقال سابق لي بهذه الجريدة.. وحتى ندرك خطورتها لنتصور أن مريضا يحتاج إلى عناية مركزة ولا يجد سريرا في أي مستشفى حكومي أو خاص.. ماذا سيكون مصيره؟!. وبإغلاق مستشفى عرفان أصبح مصير 500 موظف وموظفة سعوديين من العاملين في المستشفى على رصيف المجهول. أما الأسباب التي جاءت في تقرير اللجنة المختصة بالتحقيق في قضية الطفل صلاح الدين فقد يكون موجودا في بعض المستشفيات الصغيرة ما هو أكثر منها.. وبالتالي، فان على وزارة الصحة أن تعالج أساس المشكلة وتجعل مواجهة ظاهرة الأخطاء الطبية هدفا استراتيجيا أساسيا تضع له برامج محددة وواضحة مستندة على أسس علمية وبمعايير زمنية مدروسة للتصدي لهذه الظاهرة. فعندما يقول التقرير إن هذه الأخطاء موجودة منذ عام 1430ه وفي تصوري أنها موجودة منذ سنوات طويلة فلماذا لم تتخذ إجراءات نظامية لإيقافها؟!. أما آلية اللجان الطبية الشرعية.. فهي آلية عفى عليها الزمن ولم تعد صالحة بأي حال لزمننا الحالي.. ولن تساهم في حل قضية الأخطاء الطبية. إن إغلاق هذا المستشفى حصل وانتهى الأمر.. ولكنني أتحدث عن المستقبل.. وأقول إن إغلاق المستشفى الذي يقع فيه خطأ طبي ليس حلا.. الحل هو مواجهة الأخطاء الطبية بفرض معايير طبية محددة ومتابعة تنفيذها في جميع المستشفيات الحكومية والخاصة بحزم واهتمام.. ووضع نظام جزاءات حازم للمخطئين طبيا بعيدا عن مفهوم اللجان الطبية الشرعية البالي!!.. ويتبع ذلك تطبيق سياسات الترخيص المقنن لجميع المهن الصحية. ولعل من المناسب إنشاء هيئة أو إدارة عامة في إطار الهيكل التنظيمي لوزارة الصحة تعنى بأمور الأخطاء الطبية.. ليس من منظور البت في ملفاتها وتحديد عقوباتها.. بل من خلال التركيز على الوقاية منها قبل وقوعها والحد من تداعياتها.