بالرغم من تركيز العديد من المحللين الاستراتيجيين للموقف الروسي المساند لنظام الأسد في سوريا على الأبعاد العسكرية والمصلحية، إلا أن العوامل المحلية الروسية لم تعط حقها من النقاش والتوضيح. وبالرغم من محاولات التعمية التي يلجأ إليها كبار المسؤولين الروس على أحد أهم العوامل المحركة لموقفهم المعادي للأغلبية السنية في سوريا، إلا أن الشارع الروسي أبى إلا أن يظهر الحقيقة من خلال تناقل وكالات الأنباء العالمية في الأيام القليلة الماضية لأخبار مظاهرات القوميين الروس المعادية للأجانب تحت شعار (روسيا للروس) والتي يطالبون حكومة بوتين من خلالها بطرد أولئك الأجانب من موسكو. فمن هم أولئك الأجانب المستهدفون بالعداء؟ إنهم أبناء الجمهوريات الاتحادية ذات الأغلبية المسلمة وفي مقدمتهم الداغستان الذين يفدون منذ 1989م للاستقرار في موسكو بأعداد كبيرة ويقيمون في أحياء فقيرة ويلجؤون إلى كسب قوت يومهم بالقيام بأعمال بسيطة أو حتى بارتكاب جرائم السطو والابتزاز والسرقة. ورغم تخلص روسيا من الجمهوريات السوفييتية ذات الأغلبية السكانية المسلمة (كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان، أوزبكستان، أذربيجان) إلا أنها مازالت تحتفظ بجمهوريات أصغر من ذات الأغلبية السكانية المسلمة تتوزع على منطقتين رئيسيتين هما شمال القوقاز فيما بين بحري قزوين والأسود والتي تضم ست جمهوريات هي (تترستان وبشكيريا وتشوفاش وموردوفيا وماري يل وأودمورت) إضافة إلى إقليم أورنبرغ، والمنطقة الثانية هي منطقة القوقاز الشمالي (جنوب غرب روسيا) وتشمل سبع جمهوريات (داغستان والشيشان وإنغوشيا وقبردين بلقاريا وأوسيتيا الشمالية - ألانيا وكارتشييف شركيسيا والأديغة). ويبلغ تعداد المسلمين في هذه الجمهوريات وفي مناطق أخرى من روسيا حوالى 28 مليون مسلم يشكلون حوالى 20% من تعداد السكان أي أن 1 من كل 5 روس هو مسلم. ولدى كل زوجين من المسلمين عدد يتراوح فيما بين 3 5 أطفال في حين أن الأزواج الروس من القومية السلافية يندر أن ينجبوا طفلا واحدا ويكاد معدل المواليد بينهم أن يصل للصفر وذلك ما دفع بالرئيس بوتين لمحاولة تدارك الموقف بتشجيع الروسيات على الإنجاب بمكافأتهن ب (1500) روبل للطفل الأول و (3000) روبل للطفل الثاني ولكن يبدو أن هذه السياسة لم تجد الاستجابة الكافية حتى هذه اللحظة. وبعد حرب الشيشان الانفصالية، تنامى العداء الروسي القومي تجاه المكون السكاني المسلم الذي ينمو بمعدلات عالية تدعو الروس للقلق. فمنذ 1989م نما تعداد هذا المكون بمعدل يتراوح فيما بين 40 50% ما يرى بعض الخبراء أنه إذا ما استمر بهذه الوتيرة فسيؤدي إلى تحويل الاتحاد الروسي إلى دولة ذات أغلبية مسلمة خلال سنوات قليلة ربما لا تتجاوز 2050م. وينعكس هذا النمو على تزايد أعداد المساجد من 300 مسجد قبل 15 سنة إلى 8 آلاف مسجد حاليا ويتوقع أن تصل إلى 25 ألفا بحلول 2015م. وكذلك في تزايد عدد المنظمات الإسلامية التي وصلت إلى 5000 منظمة إسلامية مرخصة (سنة، شيعة، صوفيين) يمثل المسلمون السنة منهم مالا يقل عن 90% .. ولكن المقلق للقيادة الروسية هو تنامي التيار الإسلامي (السلفي) الذي يقوده علماء سوريون أو روس تتلمذوا على أيدي سوريين. وخطورة هذا التيار تتمثل في إيجابيته ونشاطه الذي يثمر عن تحويل مالا يقل عن 5000 مسيحي أو ملحد روسي إلى الإسلام كل عام. والحقيقة أن القيادة الروسية لم تقف مكتوفة الأيدي تجاه هذا المد الإسلامي القوي والعنصر السوري الرئيس في قياده، فقد قررت غزوه في عقر داره بإرساء قواعد علاقات استراتيجية عضوية مع القيادة العلوية الحاكمة في سوريا على مدى أعوام تخطت فيها الاعتبارات العسكرية والاقتصادية والسياسية إلى التصاهر والنسب، فقد تخطى عدد الزوجات الروسيات لعلويين في اللاذقية 20 ألف زوجة وبلغ تعداد السوريين المقيمين في موسكو 30 ألفا. وتأمل القيادة الروسية بهذا التحالف الذي تباركه إسرائيل وإيران وربما بعض الأوساط الأوروبية والأمريكية أن تنجح في منع وصول الإسلام السلفي إلى السلطة في سوريا حتى لا يتلقى مسلمو روسيا والجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفييتي دفعة معنوية إيجابية شبيهة بالتي تلقوها بعد هزيمة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.. فالمسألة إذا مسألة حياة أو موت بالنسبة لروسيا والحرب حرب قومية دينية اجتماعية معقدة. فسوريا بالنسبة لهم ليست ليبيا أو تونس أو حتى العراق. سوريا بالنسبة لروسيا تكاد تكون هما داخليا وعامل تفجير محتمل لأوضاعها الداخلية. ولذلك يجب عدم المراهنة على إمكانية طروء أي تغير في الموقف الروسي الحالي من القضية السورية، بل يجب أن يتركز الرهان على توحيد المعارضة ودعمها وتسليحها لتغيير الأوضاع على الأرض وتحويل سوريا إلى مقبرة جديدة للطموحات الروسية القومية في مهدها وإجبارها على التفرغ لحل مشكلاتها الداخلية بعيدا عن منطقتنا. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة