الكتاب صنفان. بعضهم ينتقدون أو يشيدون، يخفضون أو يرفعون في كتاباتهم، لأهداف سامية تخدم الوطن بالدرجة الأولى، وهذا واضح في طرحهم، ومن حركات ضمائرهم الحية تجاه وطن طالما أحبوه وأخلصوا له، فهم ساعون ويسعون بكل ما أوتوا من فكر إلى المشاركة في توجيه مساره ولو بالقلم، وسد الخلل الطارئ ولو بالتنادي! هؤلاء المخلصون حركتهم ضمائرهم وحبهم وولاؤهم، فصدقوا في طرحهم ورؤيتهم لم يجاملوا بل وضعوا الصورة في موضعها وقدموا الحلول لها بدون تجريح أو إيذاء، صاحب القلم المؤتمن لم يخط بيده أو يرسم بحرفه لمجرد الكتابة الاستعراضية، أو التباهي، أو إبراز الوجود، أو الانتقاد المبطن بدوافع أو مواقف شخصية بحتة لهذه الجهة أو تلك، بل حرك الساكن فيه هموم وأحلام وآمال، صورة يحلم في مشاهدتها في وطنه، وأفكارا يرغب بمشاركة القراء فيها، وتطويرا مستمرا لواقع حالنا لننظر لغد مشرق فيه نسعد جميعا. أصحاب القلم الصادق قصدوا الإصلاح ما استطاعوا، وهم يعرفون مسبقا أن المسؤول أخطأ عن غير عمد، فإقالة العثرات للكرام، وغض الطرف عن هفواتهم، والتسامح معهم، لأنهم غالبا لا يتعمدون الخطأ ولا يقصدون الوقوع فيه، إنما هي اجتهادات لم يوفقوا فيها وكان لزاما على صاحب القلم أن يلفت إليها الانتباه للتعديل والتصحيح ليس للتشهير والتشفي والتزوير. وعلى النقيض من ذلك للأسف نجد من ينطلق في طرحه من أهداف ومواقف شخصية ونوازع دفينة من هذه الجهة أو تلك، وهذه الرؤية الضيقة تخدمه بالمقام الأول فتجد طرحه مجاملا متملقا، ومنافقا هداما. هؤلاء حركتهم أنانيتهم، وخداعهم ومصالحهم الذاتية، وكتبوا لخدمتها، وأنطقوا أقلامهم لتكون سلاح دفاع عن مسؤول أو تزوير حقائق لخدمته، أو عملوا على بث سمومهم ومعتقداتهم وأفكارهم، ودفعوا بها إلى ذلك الفضاء المخصص لهم العفن بنواياهم ليخدعوا الوطن وأهله، ويدنسوه بالأفكار المؤدلجة، والمناهج المستوردة فكرا وعملا ليجروه إلى هاوية رؤيتهم وفساد معتقدهم. إن القلم أمانة ومسؤولية وليس وجاهة، وإن الوطن حب وتضحية وليس سلعة تباع وتشترى، أو فكرا يزرع ليزعزع الأمن ويشتت الوطن. إن اللحمة الوطنية ونسيجها وانسجامها مصدر قوة لنا كسعوديين أرسى ركائزها موحد الجزيرة وصقرها رحمه الله ورجاله المخلصون. إن الصنف الثاني من الكتاب خلعوا رداء الوفاء الذي جبل عليه البشر.. وارتدوا قلنسوة المادة.. الوفاء صفة إنسانية، إيمانية، جُبل عليها الكثير منا، ولكنها عزت في هذا الزمان لدى الكثير ولا أعمم.. وبدأت بالذوبان تحت ضغط الماديات..إن من صور خيانة القلم ما تجد في بعض الكتاب، وفاؤهم مقتصر على من هم في مناصبهم؛ وفي حالة فقدانهم لتلك المناصب يتحول مفتاح الوفاء (القابل للتحكم في الكثير من الأحيان – عندهم) إلى أصحاب المناصب الجديدة دون ذكرٍ لإنجازات السابقين... كثير من الكتاب يستقبلون المسؤول الجديد استقبال الفاتحين بالزهور وبالدخون، ومن الباب الخلفي يخرج سلفه في غلالة من الصمت بلا زهور أو دخون...! لهولاء أقول.. إن الحياة بلا وفاء ما هي سوى أرض يباب.. والنفوس التي تلهث وراء المادة ما هي إلا نفوس اتشحت بالسواد حتى لكأنها أضحت في حالة تعاسة مستمرة .. لم تذق طعم الراحة.. كما أقول لهم .. بأننا مسلمون وعرب وقد حفظ لنا تاريخنا ملاحم في الوفاء.. ألم يقل العرب «أوفى من الحارث بن عباد».. «وأوفى من السموأل بن عادياء»...أفنتعلم الوفاء مرة أخرى من غيرنا.. إذاً .. يقول الصينيون «من الأفضل لك أن تموت قبل عشر سنين من نهاية عمرك على أن تعيش سنة واحدة غير وفي»، فما بالك عندما يفتقد هؤلاء مشاعر الوفاء تجاه الوطن.. ويعيثون بأقلامهم فسادا في الأرض. إن إثارة الفتن، وإشعالها، والتسبب فيها، والتشكيك في الذمم والدخول في النوايا والحكم عليها لهو أمر فيه خيانة للأمانة، وتشتيت للحمة الوطنية وإثارة القلاقل وفيه شق لوحدة الصف، إن في بلدي وحدة واحدة، وهي تسير بخطى ثابتة بحاجة لقلم صادق؛ يقوم ليستمر البناء، وترتفع الصروح؛ وليس بحاجة لمعول هدم بحث عن خرق السفينة لغرقها ويغرق أهلها. وإن بلدا لا نخلص له لا نستحق أن نعيش فيه دام الوطن، ودمتم على الوفاء دائمين. [email protected]