لم تعد القطع الأثرية الطاعنة في القدم مجرد تأريخ لحضارات سالفة وحسب بل تجاوزت ذلك الأمر لتصبح مكونا مهما ضمن الهوية الثقافية والتاريخية لأي بلد واليوم تفاخر الكثير من الدول بما لديها من آثار تحمل دلالات متعددة للتراكم الحضاري وعراقة الإنسان وعبقرية المكان ولعل توجيهات رفيعة المستوى في بلادنا بدأت بالعمل على مواصلة الجهود لاستعادة آثارنا من الداخل والخارج بكافة الوسائل الممكنة والمتاحة وبالتعاون مع الشركاء ولعلي هنا أتحدث عن قيمة حضارية أثرية تاريخية عالية وهي حجر تيماء أو «مسلة تيماء» الشهيرة كما يطلق عليها وهي التي ارتحلت ذات مساء من شمال غرب بلادنا من مدينة تيماء مختبئة مع أحد الرحالة الذين قاموا بزيارة تيماء في فترة لا تبدو فيها للآثار أية قيمة حضارية في بلادنا وذلك في العام 1884م في قصة لها تفاصيل أخرى لا يتسع المجال لسردها لكن مجمل القول أنها رحلت مع ذلك الرحالة المستشرق لتستقر في العاصمة الفرنسية باريس وفي متحف اللوفر الشهير. وحجر تيماء يقدم لنا حكاية عبقرية المدينة وذاكرة المكان منذ القرن الخامس قبل الميلاد حيث نقشت بالخط الآرامي وهي عبارة عن لوح حجري رملي يبلغ طولها 110سم وعرضها 43 سم وسمكها 12 سم وتزن 150 كيلا، وجاءت النقوش لتحمل دلالات دينية خاصة، وتشير العديد من المصادر إلى أن أول من اكتشفها الرحالة الإنجليزي (دوتي) الذي زار تيماء عام 1877م حيث رآها ضمن الأحجار المتساقطة من جدار بئر هداج. بعدها قام عالم الآثار والرحالة الشهير هوبر بزيارة تيماء عام 1879م وزارها مرة أخرى عام 1884م حيث رحلت معه دون استئذان في ظروف غريبة تم التخطيط والإعداد لها جيدا واستقرت (المسلة الشهيرة) هناك ولم تزل شاهدة على تاريخ مدينة وحضارة قبل الميلاد وحكاية للمكان بالقرب من بئر هداج الشهيرة.. وقد استحوذت تلك النقوش الآرامية على اهتمامات العديد من الباحثين والمختصين فترجمت إلى بعض اللغات. أقول إن استرجاع المنقولات الأثرية يتطلب قبله الحصر الكلي للآثار المهاجرة وإلى أي البلدان هاجرت وكيف ومتى تم تهجيرها أو اختطافها؟ ثم تبدأ بعد ذلك المطالبة الرسمية بشكل قانوني مع ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الشقيقة مثل جمهورية مصر العربية والتي نجحت باستعادة بعض آثارها وها هي الآن تطالب الآن باستعادة آثارها الأخرى. قبل عشرة أشهر تقريبا وضمن فعاليات ملتقى المثقفين الثاني التقيت بالأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض بعد نهاية محاضرة له قدمها في جلسة (التخطيط الثقافي) وبعد المحاضرة تحدثت معه حديثا سريعا عن الآثار المهاجرة وعودتها واستشهدت بحجر تيماء فقال إن هناك جهودا تبذل لاستعادة تلك الآثار لكنه عاد مازحا بقوله: لو أنها جاءت من اللوفر لن يراها أحد لدينا؟! ألا ترى أنه من الأفضل بقاءها هناك ليشاهدها العالم. هكذا جاءت كلماته مختصرة ومعبرة وسأقف عند مدلولاتها في المقال القادم بإذن الله.