من المفارقات العجيبة في مجتمعنا أننا كثيرا ما نسمع حكايات ساذجة تروى عن مشاهدات لتلبسات الجن وقدراتهم الخارقة في الطيران وحرق البيوت وإيذاء البشر وغير ذلك مما لا يقبله عقل ولا يدعمه علم، لكنها تروى وتتداول كما لو أنها حقائق مثبتة لا تسري إليها الشكوك ولا تخضع لتكذيب، أما ما يثبته العلم بأدلة قطعية فإنه يظل لدى البعض منا مرفوضا عرضة للتشكيك فيه والتكذيب له!. حين حقق فيليكس قفزته التاريخية انشغل بعض الناس بتكذيب ما حدث وانهمكوا في السعي نحو إقناع الآخرين بأن الأمر ليس سوى خدعة سينمائية للضحك بها عليهم وخداعهم!!، هم يقولون ذلك دون أن يكلفوا أنفسهم بإيراد دليل علمي واحد يؤيدون به قولهم، ولو أنهم فعلوا فجاءوا بأدلة علمية يمكن النظر إليها كدلائل على بطلان ما يقال عن صدق الإنجازات العلمية لعذرناهم ولنالوا منا كثيرا من الاحترام، حتى وإن لم ينجحوا في إثبات ما يريدون إثباته من كذب الادعاءات وتزويرها، لكنهم لم يفعلوا، ولم يقدموا أي شيء مكتفين بمجرد التشبث برفض التصديق والاتهام بالتزوير والخداع، وهي أدوات ضعيفة لا تحقق لصاحبها النجاح عندما يكون الطرف الآخر مسلحا بالحقائق العلمية المثبتة. إن الاكتفاء بالتكذيب دون خوض في مناقشة علمية، يعني إغلاق الباب في وجه المعرفة والنأي بعيدا عن دراسة تفاصيل التجربة العلمية ومحاولة معرفة أسرارها والتعلم منها، فهل يمكن لأمة تطمح إلى اقتحام عالم العلم والمعرفة أن تنصرف بعيدا عن دراسة مثل هذه الإنجازات العلمية والتأمل فيها بحجة أنها مدعاة وأنها كذب ووهم؟!. وأيهما يعود على المجتمع بالنفع أكثر أن ينغمس أبناؤه في دراسة ومتابعة التفاصيل الدقيقة لهذه التجارب العلمية الجديدة أو أن ينبذها جانبا غير آبه لها بحجة أنها مزيفة وغير صادقة؟. ما الذي يدفع بالبعض إلى إجهاد أنفسهم في محاولات تكذيب الإنجازات العلمية؟، أهو الذهول من عظمة الإنجاز العلمي المتحقق بحيث لايستطيع العقل الخامل أن يصدق بحدوثه فتكون ردة الفعل تجاهه هي المبادرة إلى تكذيبه، أم هو الشعور بعجز الذات عن الإسهام في صناعة شيء من تلك الإنجازات العلمية فيكون في التكذيب لما تحقق على يد الغير نوع من رد الاعتبار للذات بإقناع الآخرين أن ما حدث من إنجاز ما هو إلا أكذوبة وأنه لا شيء حقيقي لدى المنجزين يميزهم. تكذيب الحقائق الساطعة كضوء الشمس، هو جزء من الشخصية السلبية التي لا هي تعمل على التخلص مما فيها من تخاذل وخمول، ولا هي ترضى بالاعتراف بقصورها وعجزها عن بلوغ ما يحققه الآخرون من إنجازات، فتجد في نفي التفوق عن الآخرين ملاذا لها لتبرئة الذات من سمة العجز.. لو أن هؤلاء المكذبين كان لهم دور ولو بسيط فيما تحقق من الإنجازات العلمية، هل كانوا سيلجأون إلى التكذيب لها؟، من الواضح أن ما يجعل التكذيب ينشط على ألسنتهم هو أنهم ليسوا مشاركين في شيء مما يحدث من إنجازات علمية. فاكس: 4555382-1