من يمر عليه عيد وعيد بعده ولا يجد في نفسه ميلا للتسامح فليبك على حاله، وليندب موت قلبه، وليسع قدر جهده في مداواة دواخله من علل الحياة ووعثاء الكد، ووهن العزيمة، وثبات الإرادة، أولى القلوب بالجنة والرضوان قلب يعبق بطيب الخلق الكريم من عفو وصفح وتسامح وتواد، قلب يجمع بين القوة واللطافة واللين والإيثار وصفها القرآن العظيم : «........والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين»، قلب يبحث عن محبة الله بامتثال لأوامره وطلب ما عنده من مغفرة وصلاح حال ومال في الدنيا وورضا من الله ورضوان في الآخرة عبر عنه قوله تعالى: «...وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ....»، قلب يعز الله صاحبه يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم « ...... وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه......» ، أجل إن ارتفاع قدر المرء المسلم موكول بحجم التزامه بالمنهج الأخلاقي وامتثاله للقيم الدينية والمبادئ الإسلامية في معاملاته وتعاملاته وعلاقاته، قال صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه: «.... ألا أدلكم على ما يرفع به الله الدرجات؟ قالوا نعم يا رسول الله: قال: تحلم على من جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك....» ولا فرق في هذا التوجيه بين الناس من ارتفع شأنه ومن قل، فإنك حين تصفح تتعامل مع رب عظيم وخالق عزيز، قيل في الخادم لرسول الله فقال: «أعف عنه في اليوم سبعين مرة» بل ذهب الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك وهو العفو عن المجرم، تمثل ذلك عبدالله بن مسعود في قوله حين سرقت دراهمه: «....اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها، وإن كانت حملته جرأة على الذنب فاجعلها آخر ذنوبه». وما خلق الله الخلق وخلق لهم شياطين أوجدت بينهم الخلاف والفرقة والدفع والتناحر والشحناء والبغضاء إلا ليعلم حزبين في خلقه فيعلم وهو العليم الحكيم من أنصار الله ومن أنصار الشيطان، وليبتلي ويمتحن ويمحص وليظهر على الأرض نبيل عزيز بانتصاره على هواه ونفسه، أو غوي ذليل بارتهانه إلى ذاته والهوى ورغائب النفس الركيسة، فلا هم له في الحياة إلا أن ينتصر لنفسه ظالما أو مظلوما، وأن يعينها بالتشفي والانتقام، فإن كنت ممن وقع في عرض مؤمن أو افتريت عليه أو أخطأت في حقه وكانت له عليك مظلمة فأدها واعتذر منه طالبا الصفح والسماح ولا تكابر باعتقادك أن هذا الاعتراف إهانة لك وإقلال من قدرك بل هي شجاعة ستعقبها عزة ورفعة، وإن كنت ممن وقع عليه ظلم وأذى فادفعه قدر جهدك بالحسنى والإيضاح حتى يرعوي الظالم ويؤوب فإن انتهى واعتذر فإياك أن ترده فقد تكون فرصة العفو لا تتاح لك إلا مرة واحدة في الحياة: إذا ما الذنب وافاه اعتذار / فقابله بعفو وابتسام فإن لم يرعو المخطئ وزاد في غيه ولم يتراجع عن كذبه وسوئه فقد أباح الله لك ومكنك وخيرك ... «....لا يحب الله الجهر بالسوء في القول إلا من ظلم». كل عام أنتم بخير وحب ووئام ومحبة وود واحترام ورغبة في العفو لا الانتقام.