أنا شاب في الخامسة والثلاثين من عمري توفي والدي وأنا صغير وعشت في كنف عمي بعد أن تزوج والدتي وقد ذقنا الأمرين منه بداية من إهاناته الدائمة وقسوته الشديدة وظلمه لوالدتي وانتهاء بسلبه لكثير من حقوقنا والآن هذا العم مريض لكن ما زال في قلبي له حقد وضغينة وأفكر بالانتقام منه ولدي الكثير من الطرق والوسائل لذلك فماذا ترى؟ فيصل. أ.. القصيم ولك سائلي الكريم الرد: أخي فيصل تأكد أن الذين يختارون عدم التسامح يضرون أنفسهم ابتداء وينالون منها ويسقون أنفسهم سمًّا باختيارهم ويسجنون أنفسهم في أقفاص الماضي ويحملون همومًا أثقل من الجبال ويكبلون أنفسهم بأغلال حماقات الآخرين معتقدين أنهم يتسامون أو ينتصرون بتلك المشاعر الضاغطة! يقول مونتغمري: الأزهار كتاب وضعه الله؛ ليعلِّم البشر اللطف والتسامح، ألا ترون أن الإنسان يطؤها بقدميه وهي ترمقه بابتسامة وكذلك تهدي له عبيرها؟! والنفس المشغولة يا فيصل بالثأر والانتقام نفس مهمومة مرتبكة قلقة وضدها النفس المتسامحة التي تقدم العفو وقد وكلت الأمر إلى العزيز العادل في محاسبة الظلمة هي نفس مطمئنة وروح ساكنة. وقد جاء الإسلام بحلول رحبة ومنطق عميق وفهم شامل داعيًا للصفح الجميل وإقالة العثرات والتسامح مع إمكان السطوة والتسامح مع علو اليد يقول تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وكان حبيبنا وقدوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم- مثلًا أعلى في قوة الشخصية وجمال الأخلاق وحسن التصرف فقال لمن آذوه وشتموه وحاربوه: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». أيها العزيز، لن تستطيع أن تمحو الزلات وتتجاوز عن عمك إلا إذا أيقنت أن مكاسبك من التسامح أعظم بكثير من الانتقام. وإليك بعضًا من تلك المكاسب: 1- تأكد أنك الكاسب الأول مع العفو، فالجوائز الثمينة تنتظرك في الدنيا والآخرة. يقول لاوانا بلا كويل: يكاد العفو أن يكون فعلاً أنانيّاً بسبب النفع الشديد الذي يعود على من يصفح! 2- يعد العفو انتصارًا عظيمًا في معركتك الأهم في الحياة مع النفس والشيطان ومحكًّا حقيقيًّا لقوة الإرادة. يقول أحمد أمين: عندما أدعو للتسامح فإنني أدعو للقوة والسلام لا للضعف والاستسلام، فأنا أتسامح وأنا قوي! 3- عندما يصبح العفو خلقًا لك وجبلة لك ستدفع من حولك للتخلق به وستجني أنت ثمار ذلك الخلق. 4- العافي عن الناس ينام قرير العين ساكن الفؤاد رخي النفس مستقر التفكير وقد بتر جذور الألم وقطع حبال الهم، مستمعًا بلحظته مدركًا أن العمر القصير فلا يقبل بحضور مثل تلك التفاهات. 5- إن أقوى انتقام من المعتدين والظلمة يتمثل في العفو والصفح، وهو كما قال ماركوس اورليوس: إن أفضل ما تنتقم به لنفسك ممن ظلمك ألا تكون مثله! فلا تكن ممن أسكن المرارة في قلبه والآهات في وجدانه فأفسدت عليه الحياة وقل استمتاعه بها ولست أدعوك لمكافأة عمك وشكره على ما فعل إنما أطالبك وأدعوك أن تنهض لمهمة أعظم وأجل ألا وهي رعاية أسرتك والبر بوالدتك فاحمِ نفسك وصنها وصن من تعول من تبعات الانتقام وهجير الثأر فقد آن للقلب المجروح أن يبرأ وأن يهنأ بصفو الحياة، واعلم أن ما وصلت إليه هو تحقيق لوعد الله لكل مستضعف فأنت الآن ترفل في آلاء ربك بعد معاناة وحرمان، فما أجمل أن نصفي قلوبنا من الأحقاد والغل! وبمقدار ما نعفو ونتسامح يصفو المحيط من حولنا ويفيض علينا العالم بأسره بجوده وخيره. شعاع: لا يمكن للضعيف أن يعفو فهو من شيم الأقوياء فقط.