رأى شرعيون وأكاديميون أن خطبة عرفة التي ألقاها سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله آل الشيخ أمس الخميس بمسجد نمرة حفلت بالعديد من المفاهيم والقيم، وأشارا إلى أنها تركزت على التوحيد الذي هو أساس العدل والأمان في كل زمان ومكان. «عكاظ» استوضحت رؤيتهم لمضامين الخطبة في الاستطلاع التالي: في البدء أوضح عضو الأمانة العامة في الحج إمام وخطيب جامع الأمير سلطان بالطائف، وأستاذ الفقه المشارك في كلية الشريعة والأنظمة بجامعة الطائف الدكتور هشام الزير أن خطبة سماحة المفتي ركزت منذ بدايتها على التوحيد وأنه رأس تقوى الله توحيده، وكيف أن رسول الله دعا إلى توحيد الله باللسان والقلب والاعتقاد، مشيرا إلى أن سماحته أكد على ضرورة أن يسبغ المسلم حياته كلها بتوحيد الله بأقواله وأفعاله وتصرفاته وكل أحواله، وقال: «أبرزت الخطبة صلاحية الدين الإسلامي لكل زمان ومكان والإشكاليات التي تتناقض مع ذلك المفهوم السامي كما تحدث عن مزايا الإسلام»، لافتا إلى أن الخطبة تناولت الدول التي ناقضت مبدأ العدل ورفع الظلم ونصرة المظلومين وأن الإسلام لا يتعارض مع الحرية وحيث يدعو إلى الحوار ويصون حقوق الإنسان. ترسيخ التوحيد من ناحيته، أعرب المفكر والباحث في تاريخ وآداب المسجد الحرام عبدالله الحسني الزهراني أن الخطبة تركزت على التوحيد، وقال: «الحج يهدف إلى ترسيخ التوحيد حيث يبدأ بالتلبية وفيها يعلن الحجاج التوحيد لله من أول ما يدخلون في النسك»، مشيرا إلى أن الخطبة تضمنت العديد من المفاهيم والقيم الإسلامية ولعل أهمها أن التوحيد يعد جوهرة الدين الإسلامي ولبه والأساس الذي بني عليه وأول أركانه ولأجله خلق الله الخليقة كلها، وقال: «لقد وجه المفتي رسالة هامة للشباب والفتيات ودورهما الهام في نهضة الأمة، إضافة إلى حديثه الهام في خطبته عن المؤسسات التعليمية، وأهميتها وتأثيرها، ودورها في المحافظة على العقيدة من خلال مناهجها، وكذلك وسائل الإعلام ودورها في نشر فضائل وأخلاق والتصدي للأفكار المنحرفة والدعوات المشبوهة ومحاربتها». شمولية العبادة في السياق نفسه، أوضح المستشار القضائي الخاص والمستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية في دول الخليج والشرق الأوسط الدكتور صالح اللحيدان أن خطبة يوم عرفة امتاز بالتميز الإلقائي المتماسك المركز حيث تعمد سماحة المفتي أن تكون الخطبة عامة لأهل الأرض لأنها منطلقة من مرتكز يؤمه الخلق وإن لم يكونوا مسلمين، إنما يؤمنون من باب الفطرة المودعة فيهم أبدا، وأشار إلى أن الخطبة دعت إلى ضرورة توحد أراء وأفكار ومنطلقات عامة المسلمين من العلماء والقضاة والمفكرين والساسة من منطلق كون المملكة محط أنظار المسلمين، وأضاف: «ركزت الخطبة على حسن الخلق بين المسلمين وحسن المعاملة وأداء الأمانات، ورد المظالم لأهلها وطلب العفو منهم لا سيما الضعفاء الذين ليس لهم ناصر أو لا يستطيعون أخذ حقوقهم»، وقال اللحيدان: «تناولت الخطبة شمولية العبادة، والمعاملة قرنت بينهما لدفع الحياة والتأكيد على استمراريتها عن طريق تحكم النص بضابط العقل السليم»، مشيرا إلى مناشدتها كافة المسلمين بضرورة التآخي ودفع الشحناء والبغضاء والسير على منهاج النبوة في محاكمة الأحداث والوقائع وذلك بالممازجة بين النص والواقع، ولفت إلى أنها دعت إلى ضرورة تحقق العدل. من جهته، رأى مدير عام الإشراف التربوي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عزام الشويعر أن خطبة يوم عرفة تركزت في محاور مهمة أبرزها التوحيد وإخلاص العمل لله عز وجل خاصة في الحج، حيث أكد سماحة المفتي على ضرورة ترك المعاملات المحرمة كالربا والبيع بالغش والتزوير والتي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع، وأشار إلى أن سماحته تناول كيفة أداء الحاج للمناسك وفضل دعاء يوم عرفة، وأعمال يوم العيد وأحكامه، كما أشاد بالجهود الجبارة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين لتسهيل الحج. المنهج الصافي بدوره، اعتبر المدير التنفيذي لهيئة علماء المسلمين التابعة لرابطة العالم الإسلامي عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى الدكتور سعد الشهراني أن خطبة المفتي في عرفة كانت جامعة نافعة، حيث تضمنت بيان مفهوم السلفية وتشويهها من قبل بعض وسائل الإعلام أو استهداف بعض الشخصيات المنحرفة باسم السلفية لتعميم هذه الصورة لجميع المنتمين لهذا المنهج الصافي، وأضاف أن المسلم يتشرف بالانتماء لهذه الفترة الزمنية المباركة باعتبار أن الله فضل السلف الصالح وزكاهم وأثنى عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، وبين أن النبي صلى الله عليه وسلم اهتم في خطبته بجانب التوحيد المهم وهو الأصل في دعوة كل الرسل الذين جاءوا لتقرير هذه الحقيقة وتعبيد الناس لله تعالى، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لهذا التوحيد، وكان يقول: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيين قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، وأشار إلى أن سماحة المفتي ذكر بأن الله جمع بين وحدة الأمة وتوحيده، فالمجتمعات الإسلامية تمر اليوم على مفترق طرق في ظل الأوضاع الراهنة، ولا شك أن المخرج من هذه الأزمات التحاكم لشريعة الله وتحكيم الكتاب والسنة وتطبيق شرع الله في الأرض، وبتطبيق الشريعة يعم العدل ويضمحل الظلم وتسود العدالة والمساواة بين الناس وتتحقق الحرية التي ينشدها ويرفعها كثير من المطالبين بها لأن الحرية الحقيقية في تحقيق العبودية لله وحده لا شريك له، وقال: «المفتي أوصى وصية مهمة للدعاة والعلماء الذين يبلغون رسالات الله ولا يخشون أحدا إلا الله، يجمعون الناس ولا يفرقون، فالدعوة الصحيحة تؤسس على اجتماع الكلمة ووحدة الصف لا تفريق الأمة وبث الفرقة فالداعية الناجح يوحد ويجمع وينصح ولا يفرق ويفضح ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار»، وأضاف: «الشعوب أثبتت نجاحات في مطالبها وينبغي أن تحافظ على أمن أوطانها التي قامت فيها الثورات، وعليها أن تحافظ على أوطانها لأن الحرية لها ضوابط وليست مطلقة من كل شيء بل هي الحرية المقيدة بالمسؤولية، بمعنى أن المسلم عنده مسؤولية أمام الله وأمام أهله وذويه وجيرانه ومجتمعه ووطنه وقادته والله يقول (( وأطيعو الله ورسوله وأولي الأمر منكم )).