من منا لا يعرف الكاتب البريطاني الشهير باتريك، صاحب الكتابين المرموقين «الصراع على الشرق الأوسط» و «الصراع على سورية»، بالطبع لا يحتاج صديق الرئيس الراحل حافظ الأسد وعاشق سورية إلى المزيد من التعريف. ومع ذلك فإن شهرة سيل لا تعفيه من المساءلة حول كتابة تاريخ سورية على الطريقة «البعثية»، إذ خط الكاتب البريطاني المعروف معظم «الصراع على الشرق الأوسط» من بيت الأسد، حين طلب منه أن يعيش في بيته لأيام ليعرف كيف يفكر ويعيش رئيس سورية، وهذا لا يختلف عليه المؤرخون من أنه يفقد المؤرخ مصداقيته نظرا لمدى التأثير على الكاتب. إن أهم ما في الأزمة السورية على المستوى البعيد، أنها أعادت كتابة التاريخ من جديد، فطوال العقود الأربعة الماضية تربى الجيل السوري على بطولات حافظ الأسد المزعومة، ليقرأ ابن القرن الواحد والعشرين أن الأسد بطل حرب تشرين التحريرية 1970، لكنه لا يعرف على الإطلاق أن الأسد هو المسؤول عن انسحاب الجيش السوري من الجولان في حرب 1967. كما كتب لنا سيل عن دور الأسد في استقرار سورية ولم يكتب لنا عن ديكتاتوريته، ولا عن بناء الدولة الطائفية ودولة المحسوبيات. ولا عن جيش الشبيحة الذي اكتشفه السوريون بعد أربعين عاما من حكم البعث. لم يكتب لنا باتريك سيل عن دور النظام السوري في تدمير الدولة اللبنانية، ولا عن المليارات المكدسة لدى عائلة الأسد، ولا عن فقر الشعب السوري.. إن ثمة تاريخا حقيقيا غير مكتوب أخفاه سيل.. لذا من حق الشعب السوري استخدام حق النقض الفيتو ضد روايات صديق الأسد التاريخية. كما لم ولن يكتب أيضا عن أكبر جرائم النظام وحشية في القرن الواحد والعشرين. في حديثه لصحيفة «الصندي تليغراف» البريطانية 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2011، قال بشار الأسد «إن ما يحدث في سورية ليس انتفاضة إنما هو صراع بين الأسلمة والقوميين العرب».. واقرأ أيضا ما كتبه باتريك سيل، «صهر السوريين»، في مقاله بعنوان "حرب سورية الطويلة" في صحيفة الحياة في العدد 18074 الصادر يوم الجمعة الماضي 28 سبتمبر (أيلول) : « ليست المعركة القاسية والحاقدة والدامية التي تشن في سورية اليوم، جديدة أو غير متوقعة، كما أنها ليست مجرد نتيجة ثانوية للربيع العربي، على الرغم من أن الأحداث التي حصلت في تونس ومصر ساهمت في إنشاء حركة تمرد في المنطقة برمتها. بدلا من ذلك، يجب اعتبار الانتفاضة السورية التي تطورت تدريجيا خلال الأشهر الثمانية عشرة الماضية، الحلقةَ الأخيرة، لا بل الأكثر عنفا في الحرب الطويلة بين الإسلاميين وحزب البعث، التي بدأت منذ تأسيس حزب البعث العلماني في أربعينيات القرن الماضي، والتي يبدو الصراع فيها بين الطرفين أشبه بعداوة حتى الموت.»، وهنا ينتهي توصيف باتريك سيل للصراع الدائر في سورية، إن هذا الاعتقاد هو ذاته حرفيا ما يعتقد به بشار الأسد، وهو تبني علني وواضح لوجهة نظر النظام في تفسير الثورة، التي يتحاشى ذكرها. أما الرد على مزاعم الصراع بين الإسلاميين والبعثيين، فهذا شكل من أشكال الاعتقاد الأيديولوجي المسيس، لا يليق بمحلل وخبير استراتيجي من طراز سيل، فهو أكثر من يعرف أن البعث لم يتصارع مع الإسلاميين فحسب، بل واجه الماركسيين والقوميين، بل تصارع البعث مع ذاته. عندما انقلب الأسد على الرفاق البعثيين في 16 نوفمبر 1970 واعتقل صلاح جديد وكافة القيادات البعثية.. إنه البعث الذي ينهش ذاته.. والبعث الذي تحول إلى عائلة.. فالبعث الذي نبذه ميشيل عفلق في أواخر حياته لا يحكم سورية.. والسوريون لن يقرؤوا اليوم لمن خدعهم طوال عقود.. ومن حقهم استخدام الفيتو ضد باتريك سيل.. أو على الأقل إعادة قراءة مؤرخ العائلة.