خلال جولتنا في محافظة القطيف حملنا ما يدور في أذهاننا من تساؤلات فكرية حول مضامين الوطن والوطنية، توجهنا بها إلى عدد من مفكري القطيف الذين أكدوا رفضهم لأي مساومة أو مزايدة على وحدة الوطن وصدق انتمائهم له وولائهم لقيادته الرشيدة، مشددين على البراءة لله من كل من يقول بغير ذلك أو يخرج عن هذا المعنى. أعظم مراهنة وكانت البداية مع رئيس محكمة المواريث في محافظة القطيف محمد الجيراني، الذي أجاب عن سؤالنا حول مفهوم الوطنية، وعلى ماذا يكون الرهان قائلا إن «أعظم مراهنة يجب أن تكون هي تلك التي تحفظ الوطن وتحميه وتصد عنه كل قوى ظلامية تريد أن تعبث بفكر ومنهجية هذا المجتمع القائم على المحبة والإخلاص». وعن مساحة الوعي الذي يجب أن يكون حاضرا للحفاظ على الوطن، قال «يكون ذلك بأكثر من طريقة أولها الوازع الديني الذي هو أساس كل شيء والمحافظة على الأحكام الشرعية التي قررت المحافظة على أرواح البشر وحب الوطن الذي يعتبر غريزة عند الإنسان والدفاع عنه واجب ومن أقدس المقدسات». انتماء صادق وبالسؤال عن آلية تحويل مفهوم الوحدة الوطنية من نمط تنظيري أو تعابير نملأ بها الكراسات إلى مشروع عمل حقيقي يجسد أنبل معاني الانتماء ويرسخ دعائمها، أجاب المفكر الدكتور محمد المسعود «نحن دوما نؤكد على الوحدة الوطنية الجامعة، وإن انتماء الطائفة الشيعية إلى بلدها، لا يستطيع أحد أن يزايد عليهم في تلك الوحدة الوطنية وفي هذا الانتماء الخالص والنقي إلى مشروع الدولة والإيمان بها، ودلالة ذلك تبدأ بالتأكيد على الوطنية والوحدة والتأكيد على الانتماء النقي والصادق والخالص للدولة، والبراءة لله من كل من قال بغير هذا القول أو خرج عن هذا المعنى». وأضاف «نحن سعوديون شيعة ونعني بها إن الهوية الوطنية تأتي أولا وأننا جزء من كل، سياسيا واجتماعيا وثقافيا، بل وتعني أننا ننتمي إلى دولة حديثة في الطموح، بما يقتضيه الواجب وما يمليه الحق وبذا يتراجع الإطار المذهبي إلى ما بعد الإطار الوطني الموحد والجامع لنا مع كل شركائنا في الوطن، ولا يتقدم عليه شيء غيره». مبدأ المواطنة بدوره يقول المفكر والكاتب محمد المحفوظ، إن «إرساء مبدأ المواطنة في نظام العلاقات بين أبناء الوطن الواحد وبينهم وبين مؤسسة الدولة، لا يلغي الروابط والمشتركات الأخرى، وإنما يصونها ويحترمها ويوفر لها قنوات المشاركة في إثراء الوطن وتنمية المضامين الحضارية والأخلاقية لدى المواطنين، فالالتزام بمقتضيات المواطنة لا يتناقض مع الالتزام الديني أو القومي، بل هو الفضاء الاجتماعي الذي نتمكن فيه من ترجمة التزاماتنا الدينية والقومية، لأن التطلع الديني يتجه إلى التعاون والتضامن وإشاعة الوئام والاستقرار وتحمل المسؤولية العامة، ولا ريب أن مبدأ المواطنة يتضمن هذه التطلعات ويعمل على إنجازها في الواقع، فهي جسر التزامنا الديني والقومي في حدود الإطار البشري الذي يجمعنا في دائرة الوطن الواحد». لا لتأجيج الشارع من جهته، طالب الشيخ وجيه الأوجامي أهل العلم الشيعة بالعمل على تهدئة الشباب وإزالة الاحتقان، كما طالب المجتمع القطيفي بالابتعاد عن المنابر التي تؤجج الشارع وعدم الاستماع لوسائل الإعلام وتحاول تهويل الحدث، معتبرا أن بعض القنوات ليس لها هم سوى التحريض. وأبدى الشيخ الأوجامي أسفه للأحداث التي وقعت يوم أمس الأول في العوامية، متطلعا إلى الوجهاء وأهل الدين بالابتعاد عن الفتنة، ومؤكدا أنهم يعملون الآن على تهدئة الأوضاع بالعمل على حضور الملتقيات والجلوس في الأماكن العامة ومحاورة الشباب عبر وفود مشكلة من إمارة المنطقة الشرقية الحريصة على كل ما من شأنه خدمة المواطن وتهدئة الأوضاع. لا مساومة على الوحدة وأكد عضو مجلس الشورى محمد رضا نصر الله أن القطيفيين أثبتوا أنهم وطنيون وحدويون، لا يساومون على ثوابتهم الوطنية، كما جاء في بيان علمائنا الكبار الذين أدانوا العنف والعبث بالأمن، مؤكدين على الالتفاف حول القيادة وتعزيز أواصر الوحدة بين أبناء مملكتنا العزيزة الغالية خاصة في هذا الظرف الدقيق المحتقن الذي تمر به الأوضاع الإقليمية. وألمح إلى أن القطيف تواصل رفد مؤسسات الدولة والمجتمع برأسمالها البشري النوعي من المثقفين والإداريين والتربويين والأطباء والبنكيين وغيرهم من خبرائها الذين استثمروا جيدا في برامج الدولة التعليمية والجامعية الوطنية والعربية والعالمية، وفي المقدمة منها يأتي برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي، الذي يحدث اليوم نهضة مضافة في برامج الدولة التنموية، هذه التي شارك في بنائها أبناء القطيف، منذ قامت الدولة السعودية الثالثة بعدما وحد أجزاءها المتبعثرة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، في أول مشروع وحدوي تحقق للعرب في العصر الحديث.