أرى أننا متورطون، بشكل أو بآخر، في نشر الأعمال المغرضة، ومتصدرون للدعاية المجانية لهذه الأعمال، سواء أكانت مقالا أو كتابا أو خطابا أو فيلما أو غير ذلك. فإن غالب هذه الأعمال لم يسمع بها أحد في أول أمرها إلا ما ندر، ومن سمع بها فإنه لم يشاهدها ولم يعرف خفاياها، فإذا جاء الرد تنبه الغافل واستيقظ النائم، فقد يشاهدها الملايين بناء على هذه الردود، أو يكتفون بالنظر في هذه الردود لمعرفة ما تضمنته هذه الأعمال من معانٍ سيئة، فيتأثرون بها أكثر مما يؤثر فيهم الرد نفسه. نعم، الرد في بعض الأحيان يكون مطلبا دينيا أو اجتماعيا أو وطنيا، لكن عندما ينتشر العمل المشبوه، ويشاهده، أو يسمع بتفصيلاته، الكثير، عند ذلك يأتي الرد في وقته، وتظهر ثمرته. الفيلم المسيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم نموذج، كم شخصا سمع عن هذا الفيلم قبل هذه الكتابات والخطب والمظاهرات؟! ربما لا يزيد على الواحد من كل 50 ألفا في العالم، وكم شخصا شاهد هذا الفليم أو المقطع المختصر؟! ربما لا يزيد على الواحد من كل 500 ألف، فلما ثار المسلمون، وجاء الرد منهم بطرق مختلفة، وسمع العامة منهم الخطب الملتهبة، ونزلوا إلى الشوارع، وقاموا بأعمال ليست من الإسلام في أكثرها، بل أساءت إلى الإسلام أكثر مما أساء إليه الفيلم نفسه، وفي المقابل، دفعت هذه الأعمال مئات الآلاف من المسلمين وغير المسلمين لمشاهدة الفيلم. وهذا الفيلم هو سيئ الإخراج؛ بسبب ميزانيته الضحلة، والممثلون فيه والمخرج له مغمورون، ومن قام بتمثيل الدور الرئيس لا يعرف، ولذا ليس في الفيلم ما يغري المشاهد، لكن نحن بأقوالنا وأفعالنا جعلناه يغري المشاهد. الرسول، في عهده، نظمت في شخصه الشريف العديد من قصائد الهجاء، فلم نسمع بمثل ردود الأفعال هذه من الصحابة رضوان الله عليهم، وتمر الأيام، وإذا بهذه القصائد تموت ويموت قائلوها، ويبقى الرسول، وتبقى سنته بيضاء نقية (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض). فمتى يفقه عقلاء قومي هذه القضية، ويعرفون ميزان الربح والخسارة في صناعة الرد..؟!.