في الوقت الذي تنادي وزارة العمل أصحاب الشركات بفتح المجال لتوظيف الشباب في المواقع المناسبة، إلا أن صوت النداء لا يصل ولا يرجع صاده إذ أن الكثير من أصحاب القطاع الخاص في بعد عن واقع الحال، في ظل الأوضاع المالية الصعبة التي يعاني منها الشباب إذا ما علمنا أن التزامات الشباب تزداد يوما بعد يوم. وفي ظل تلك الأوضاع بات من الضرورة بمكان نشوء جيل جديد من الشباب أكثر وعيا وإدراكا لمتطلبات سوق العمل واحتياجاته للحد من البطالة والتفنن في أساليب تسويق الخبرات والكفاءات، حيث تفشل العديد من القنوات التي تنشئها بعض الدول في إيجاد آليات كفيلة بتوفير فرص العمل للشباب، وعند مراجعة واقع كثير من الشباب في بعض دول العالم، حيث اعتاد الطلاب وغيرهم من ذوي الأعمال ذات الدخل المتدني العمل جزئيا في الشركات والمؤسسات، بل والمطاعم، يذكر أن كثيرا من الطلاب العرب أثناء دراستهم في الخارج يحصلون على قوت يومهم من العمل على غسل الأطباق أو ممارسة عمل «النادل» إلى جانب دراستهم أو أعمالهم الأخرى, ويطالب القطاع الخاص الشاب بتغيير نظرته عن الوظائف، والتكيف على ما تمليه حاجات السوق ليتوافق توجهه مع التغيرات المحلية ولتحسين مستوى الأداء والإنتاجية، ولكي يتحقق ذلك الأمر لابد من تبني المرونة في ممارسات العمل، والتي قد تشمل (العمل الجزئي، المشاركة في أداء العمل، مرونة في ساعات العمل ونوعية العمل ومكان العمل، المرونة في عقود العمل، المرونة في الرتب والمكافآت.. «عكاظ» طرحت مشكلة هاجس التوظيف على الطاولة في حلقة «ندوة شبابية» وخرجت بكثير من الاقتراحات والتوصيات: تنظيف الغرف وتحدث الشاب وجدي خياط الذي يعمل في وظيفة مدرب«لم تكن بدايتي في اتخاذ قرار العمل أو الدخول إلى سوق العمل بتلك السهولة، فأول مهنة لي كانت في سن ال17 عاما عندما عملت كعامل نظافة في أحد الفنادق الكبيرة في العاصمة المقدسة، وأضاف«من خلال عملي في ترتيب وتنظيف الغرف وتنظميها أولا كسر الخوف والخجل والخروج من جملة كثيرة من العادات والتقاليد المحطمة للذات البشرية، وثانيا استفدت الخبرة العملية والالتزام والقوة والعزيمة والمثابرة والبحث عن فرص كثيرة داخل سوق العمل، وأنا هنا أجزم بأن كل شاب لو بحث عن عمل بالتأكيد سوف يجده. وأشار وجدي إلى أن هناك أمثلة كثيرة على الشباب الطموح والذي دائما ما يتوق لكثير من الفرص الوظيفية وحتى التدريبية التي تؤهله لسوق العمل، من وجهة نظري تبدأ من المنزل والتكوين العائلي فالعائلة عنصر مهم وفعال في تكوين تفكير الفرد وتشكيله، ويتم ذلك بتوجيهه وتعليمه والخروج من عباءة الاتكالية والاعتماد على الذات في جميع جوانب وشؤون الحياة، فكما نعلمهم بأن لا حياء في الدين أيضا لا حياء في العمل». وزاد «لا ننسى بأن هناك أدوارا عديدة وجوانب يجب مراعاتها قبل البحث عن أماكن وظيفية شاغرة وهي تتلخص في عدة أطر أولها تحفيز الدولة للشركات بأن يطوروا من قدرات الشباب أثناء الدراسة من حيث الدراسة والتطبيق في آن واحد حتى يتسنى للطالب أو الشاب عند التخرج إلى الدخول في سوق العمل بقوة دون خوف أو تردد وهذه التجربة لها مردود فعال في المستقبل القريب، فكم من دول غير عربية مارست هذا الدور وخرجت بمحصلة من الشباب المتقدم وشعلة من النشاط، بل أنهم أيضا داعمين لنهضة دولهم. مخرجات الجامعات ونوه الشاب أحمد محمد باجنيد (مراجع قانوني) إلى ضرورة التفكير في مصير آلاف الطلاب الذين يتخرجون من المدارس والجامعات المحلية وآلاف الخريجين المبتعثين في الجامعات الأجنبية ولا يحصلون على فرص عمل في وطنهم بسبب انخفاض مستوى الأجور وجشع بعض الشركات الخاصة ولن يكون هناك الحافز الذي يدفع المواطنين إلى التنافس على فرص العمل المتاحة، طالما بقيت الأجور متدنية ولا تكفي للعيش بصورة كريمة، وتبقى ساعات العمل غير محددة، أضف إلى ذلك سياسة الباب المفتوح للعمالة الأجنبية الرخيصة بحجة المحافظة على مستوى الأسعار والتضخم. وأضاف«هناك شبح يطارد كثير من فئة الشباب وتتلخص ما قبيل دخول بوابة الجامعة فمنهم يحتار حتى في تخصص المرحلة الثانوية إما أدبي أو شرعي وبعد انتهائه من المرحلة الثانوية والاتجاه للجامعة تجده يقع في دوامة وصراع داخلي بينه وبين ذاته هل أنا قادر على تجاوز هذه المرحلة من الدراسة وأيهما الأفضل لي وغيرها الكثير من علامات الاستفهام التي تدور بذهنه وبعد أخذ ورد مع ذاته تجده يختار مالا يناسب قدراته العقلية والجسدية وحتى النفسية وأثناء دراسته في الجامعة تجده يفكر في مستقبله الوظيفي. وتابع القول«أود أضيف معلومة قرأتها لأحد رواد تويتر: تقول لو كل القطاعات الحكومية والأهلية عملت بنفس مجهود ساهر في تحصيل المخالفات لما وجدنا هاجس التوظيف يطارد الشباب السعوديين». ويشاطره الرأي بندر سالم الزهراني في جانب إيجاد الفرص الوظيفية المناسبة طالما هناك عمالة تنافسنا في بلدنا ويقول بندر لا يستطيع المواطن السعودي البحث عن عمل في منافسة نظيره الأجنبي سواء في الأجر أو ساعات العمل او في ظروف العمل والمعيشة فهو يعيش بين أهله وعشيرته وعليه التزامات عائلية واجتماعية متعددة فهناك فرق شاسع بين مستوى المعيشة والأجور في السعودية ومستوى الأجور والمعيشة السائدة في دول مثل الهند وباكستان وبنغلاديش والفلبين ولذلك فإن المعركة بين العمالة الأجنبية والعمالية المحلية محسومة مسبقا لصالح العمالة الأجنبية. ولا ننسى أيضا أن رفع الحد الأدنى لأجور السعوديين وحدهم الى 3 آلاف ريال لن يحل المشكلة بلد يزيدها إتساعا طالما ظل باب الاستقدام مفتوحا بدون تنظيم دقيق أو ضوابط صحيحة، ويعتبر الحصول على العمالة الأجنبية بسهولة وبتكلفة منخفضة أحد أهم أسباب مشكلة البطالة بجانب هاجس التوظيف في السعودية، فلا بد من رفع الحد الأدنى لجميع الأجور الى ذلك المستوى وأكثر. جهات داعمة ووضع فواز عشق العتيبي (طالب بكلية الأمير سلطان) كل اللوم على عدم وجود كليات متخصصة تواكب التطورات الحديثة من حيث التعليم الفني المتطور وليس الحرفي مثل التصميمات الهندسية والديكورات والرسم بكل أنواعها وأشكالها وركز في حديثه على مجالات الفن فمازال هناك فقر شبه تام في هذا المجال، وقال ليس هناك كليات أو حتى معاهد فنية متخصصة بشكل كامل تكون تحت مظلة الجامعة من حيث الدراسة والتطبيق العملي في آن واحد فمازلت الجامعات والكليات تدرس الكتب والمقررات والبحوث دون مراعاة وانتباه لما يجري بين أوساط الشباب والتطورات التي تواكب مجريات العصر والتقدم السريع والهائل الذي تشهده الدول. الثقة معدومة من جهته، قال بندر سالم الزهراني«تتكرر دوما الاتهامات المتبادلة من قبل المؤسسات الأهلية والشباب على اعتبار أن هذه المؤسسات لا ترى لدى الشباب السعوديين الكفاءة والرغبة الجادة في تحمل مسؤولية الأعمال التي تناط بهم، بينما يصرح الكثير من الشباب بأن بعض المؤسسات الأهلية تختلق الأعذار في هذا المجال بهدف سعيها للحصول على عمالة رخيصة تقوم بنفس العمل المطلوب، وكل هذا التناقض لا يصب في مصلحة الوطن والمواطن فجميعنا نخدم وطن واحد ومن هذا المنطلق فالمصلحة متبادلة». ويضيف بندر«لم أكن أرغب في أن أتخصص في مجال الصيدلة، بل أنا أعشق الميكانيكا وحبي لها يفوق التصور، ولكن رغبة والدي وإلحاحه المستمر أجبرني على التخصص في دراسة الصيدلة محطما بذلك كل آمالي وطموحي وهذا أسوأ ما قد يتصوره البعض بأن يمارس أو يدرس غير رغبته، طبعا أنا هنا لا أعمم هذا الحديث على جميع أولياء الأمور، بل بالعكس هناك كثير من الأولياء لديهم مرونة في التعامل مع أبنائهم وتهيئة جميع السبل الممكنة أمامهم وتذليل جميع الصعوبات التي قد تواجه أي شاب في مقتبل العمر من حيث الدراسة والعمل أيضا». التهيئة المسبقة وأبان كل من أحمد محمد قاروت وأسامة أبو شال (طالبان في جامعة الملك عبدالعزيز – جدة) وعبدالله منديلي (مراجع حسابات في إحدى الشركات الخاصة في جدة) قالوا يبدو أن المشكلة القائمة في علاقة الشباب بالعمل لها أبعاد عديدة لعل أبرزها غياب المعلومة الدقيقة والواضحة، حيث إن هنالك تضاربا في تقديرات حجم معدل البطالة مثلا فتبدأ من 9 % إلى أكثر من 20 % وهذا الاختلاف بالطبع لا يمكن أن يؤسس لمعالجة علمية دقيقة وواضحة، فمن الضروري أن يتم اعتماد آلية علمية لقياس معدل البطالة في سوق العمل السعودية حسب المعايير المتعارف عليها دوليا حتى يمكن وضع حلول مناسبة وقياس مقدار التغيير فيها، وكما نرى في الدول الأخرى فإن معدل البطالة يعلن عنه بصورة منتظمة ومن قبل جهات رسمية أو أهلية محايدة تكون مخولة بالإطلاع على مصادر المعلومات المطلوبة. من ناحية أخرى، فإن هنالك مشكلة واضحة في دراسة حاجة سوق العمل المحلية ومعرفة التخصصات العلمية والفنية المطلوبة فيها، فكما نعلم جميعا فإن هنالك فائضا بشريا في خريجي التخصصات النظرية والإنسانية بينما يوجد نقص واضح في التخصصات الفنية والحرفية، ويتطلب ذلك وضع خطة وطنية جادة تهدف إلى تشجيع الشباب على التوجه إلى مثل هذه التخصصات التي تحتاجها السوق المحلية، وبالتالي إعادة صياغة العملية التعليمية وتطوير المعاهد المهنية والفنية بما يحقق توافقا بين مخرجات التعليم الجامعي وحاجات السوق. وتبرز في هذا المجال مشكلة قد تكون من أبرز القضايا التباسا في علاقة الشباب بالعمل وهي ضعف التأهيل النفسي والاجتماعي للشباب للانخراط في مجالات العمل المتاحة أمامهم، وذلك بسبب بيئة التربية وتأثير المجتمع. فالكثير من الشباب حاليا يضعون لأنفسهم مواصفات غير عملية أحيانا تتعارض مع حاجاتهم للعمل من قبيل عدم القبول بمهن وحرف معينة أو وضع شروط تعجيزية أمام المؤسسات الموظفة أو عدم الالتزام والتقيد بضوابط ومتطلبات العمل المختلفة. من هنا ينبغي أن يبذل جهد كبير على صعيد التدريب والتأهيل بما يتلاءم مع ظروف الشباب وحاجاتهم النفسية والاجتماعية وما يناسب سوق العمل أيضا بهدف معالجة هذه الإشكالية الحقيقية. التوصيات والاقتراحات وخلصت الندوة إلى عدة مقترحات وتوصيات رأى المشاركون أن من شأنها الإصلاح والتطور ليكون لها المردود الإيجابي مستقبلا طبقت على أرض الواقع وهي: - دراسة احتياجات سوق العمل من قبل الجامعات قبيل قبول الأعداد الهائلة من الطلاب ومن ثم يتخرجون مستقبلا. - رفع مستوى الرواتب مع المحافظة على الرقي العام للنظرة الشمولية في الوظائف. - الاتجاه للاستفادة من تجارب بعض الدول فيما يخص دراسة الشباب. - الدراسة والتطبيق العملي في آن واحد يساعد كثيرا في تخطي عقبة الاختبارات الوظيفية مستقبلا. - تقنين الاستقدام للعمالة الأجنبية من الخارج بجميع أنواعها وأشكالها. - الضغط وبشدة على الشركات والمؤسسات الكبيرة وإلزامها مع مراقبتها بشكل دائم في شغل الوظائف الشاغرة لديهم بشباب سعوديين. - ربط جميع الشركات والمؤسسات والوظائف الحكومية بشبكة موحدة تسهل من عملية البحث لراغبي العمل من المواطنين. - الحرص والتوجه للمهن الحرفية واليدوية بشكل مكثف مع مراعاة المرونة في التدريس والتكثيف في التطبيق. - الخروج من عباءة العيب وكلمة العادات والتقاليد التي تسيطر على كثير من عقول شبابنا. - إشراك العناصر الفعالة في المجتمع وتهيئتهم بشكل يضمن استمراريتهم مستقبلا مثال.. المتطوعين.