جدي .. يا حرف رسخ في ابجديات العلم، وبذخ في منازل التقوى، وشمخ في ديار الرفعة، تعلم أني مازلت أذكر تلك اللحظات القليلة زمنا والوفيرة حبا التي تباركت بك ونبضك، وأذكر أيضا هيبتك التي لم يحنها المرض ولم يمحها الكبر ولم يجنها السهر، وأذكر رسالتي تلك التي استوطنت مهدها وقبلت حرفها حين كتبتها بحبر براءتي ناثرة: ( إن شاء الله تتعافى وتقوم زي الملك يا جدي، وأنت أصلا ملك) .. مضت الأيام وتبعتها السنين كبرت حروفي ونضج الحنين وإلى الآن لم أنس تفاصيل تلك الرسالة التي حظيت بك، ربما لأني أودعتها بالحب الذي فاق بساطة حروفي وقلمي في ذلك الحين، ربما لأني أرفقتها بالورود التي أشعر بأنها إلى اليوم لم تداهمها سكرات الذبول .! تعلم لم.؟ لأنها تشبه روحك التي لم تذبل ولم ترحل، فأنت نهلا يروي حقول المعرفة وسهول الحياة، وأنت مدرسة نهجها العز وثروتها الكمال وأنت أكبر يا سيدي من كل مايقال، فعندما تكون محور الحديث تنصت الأفئدة وتذهل الأذهان، فيا ذلك الرجل العظيم الذي مازال ينبض خالدا في ذاكرة البلاد، حين نرى اسمك يتربع في إحدى صفحات الكتب نسعد كثيرا، حين نرى اسمك يعانق لوحات الشوارع والطرق نفخر كثيرا، وحين تكون مسمى لمدرسة ضمت أبناء الوطن لتنجب أجيالا تسمو بالعلم والولاء، ندرك كم كنت مثالا للوفاء، فتكتظ قلوبنا حبا ودعاء. جدي «محمد صالح الخزامي».. رحلت فأصبحت حلما جميلا يسكن في طرقات بلادي وشرفات فؤادي وكلمات مدادي، رحلت لتعلمنا أن الراحلين باقون، فالرحيل قد يكون أحيانا (خدعة حسية) لا معنى لها، على الرغم من أني قرأت الكثير عن بقاء من يرحلون، لكنني ظننت أنها مجرد سطور عابرة نقشتها الأزمنة على جدران الحياة، لكنني الآن أدركت معناها وعلمت مبتغاها، الآن فقط يا جدي.