إذا كان الخبر هو المادة الأساسية للمحلل السياسي ليصل من خلالها إلى حقيقة الحدث، فإن صناعة الخبر قد تضلل المحلل فتأخذه بعيدا عن الحقيقة لتوقعه في فخ أعد لذلك، فالمحلل الدقيق عليه أن يدعم الخبر بشواهد أخرى تؤكد له صحة ما ينشر. فالمجتمع الإسرائيلي يعيش صراعا بين مؤيد لضربة عسكرية لإيران ومعارض لها، ومؤيد للسلام ومعارض له، ولكل فريق وجهة نظر هو موليها. فوزير الخارجية المتطرف ليبرمان يعلن عن تأييده لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، وأنه كان يدعو إلى ذلك منذ عام 2001م عندما خططت إيران لتصبح دولة نووية، وأعلن عن تبرمه من النقاش العلني حول الضربة. والمعروف أن نتنياهو ووزير دفاعه باراك يقودان تيار المؤيدين، فيما تبين أن أكثرية الوزراء في إسرائيل لا يريدون ذلك، واليوم ارتفعت حدة النقاش، بسبب التقرير الذي أعلنه يوكيا أمانو رئيس الوكالة الدولة للطاقة، من أن إيران خطت خطوة كبيرة نحو تسلحها النووي. إن أحدا لا يعرف الحقيقة، لكن المفكر الإسرائيلي (عنار شيلو) يرى أن القيادتين في إسرائيل وإيران في حاجة إلى بعضهما إلى درجة أنه إذا لم يوجد أحدهما أوجده الآخر. فإيران ترى في التهجم على إسرائيل ترياق البقاء للنظام الإيراني الذي يعيش على معاداة إسرائيل، ليتمكن من صرف أنظار شعبه الذي يعاني من الأزمات الاقتصادية، وغلاء المعيشة، والفساد، والقمع، وبالتالي يزيد من مساحة المؤيدين لإيران في العالمين العربي والإسلامي، كما أن التهديد بضرب إيران يمثل لنتنياهو وباراك ترياق الاستمرار، وذلك من خلال العزف على أوتار المحرقة، وصرف الانتباه عن المشاكل الحقيقية في إسرائيل من حيث غلاء المعيشة، وانهيار الخدمات العامة ، والاستثمارات الضخمة في المستوطنين والمتدينين الحريديين. فتهديدات إيران تقدم خدمة للقيادة الإسرائيلية لا تقدر بثمن، فمن يشاهد الطرفين يعتقد أنهما يتبارزان بالسكاكين، لكن الحقيقة أنهما يرقصان التانقو مع بعضهما، فهل أصبحت صناعة الأعداء فنا من فنون السياسة؟ أم أسلوبا لخداع الشعوب؟.