تحولات الواقع في جوانبه المختلفة بتلقائية لابد أن تنعكس على وعي الإنسان إلا أن الوضع في منطقتنا العربية يبدو مختلفا، فالتغيير الذي يحدث في بنية الواقع لا يؤثر كثيرا على الوعي المعيق لتقدم الدولة والمجتمع، فمن يتابع التحولات المتلاحقة في حياتنا سيجد انتقالات كبيرة ومذهلة في الواقع باستثناء الوعي فهو مازال جامدا وصخرة معيقة لجريان النهر، وهذا يعود إلى تأثرنا بما هو آتٍ من الخارج ونتاج لهوس الشعوب بالماضي، ومع ضعف القوى المنتجة للأفكار الجديدة المستجيبة لحركة الواقع فشلنا حتى اللحظة في بناء رؤية تجديدية معبرة عن حاجاتنا. صحيح، إن الوعي محصلة لتراكم الثقافة التي تتغير تلقائيا عبر تغير أنماط السلوك بفعل تغير البنى المختلفة، إلا أن الملاحظ أن تراكم الثروة مثلا وأنماط الاستهلاك وتغير بنية الإنتاج في منطقتنا لم تؤثر كثيرا على الوعي، فتجذر وعي القبيلة يعيق التحول ويسجن الواقع المتغير لوعي لا يريد أن يغادر ماضيه وكأنه قدر لا فكاك منه. ومع نمو حركات سياسية انتهازية في تعاملها مع التجديد تزداد الإشكالية تعقيدا فهذه الحركات تؤسس لنفسها باعتبارها طاقة سياسية تعبوية ثم تعيد توظيف العصر بطريقة تؤسس لحراك اجتماعي يعيش العصر بوعي الماضي، وهذا يشوه العصر الذي نعيشه ويحول الماضي إلى أسطورة خانقة للتقدم الفاعل النافع لواقعنا. يبدو لي أن صناعة الأفكار والتنظير للتحول مازالا ضعيفين، ولم تنمو طاقات متميزة قادرة على تحويل الواقع إلى فعل فكري قادر على التأسيس الثقافي الذي نحتاجه، والتنظير الأكثر فاعلية لابد أن يفهم الواقع وفي الوقت نفسه يقوده إلى التواؤم مع تحولاته وينسج له طوبى المستقبل عبر التجديدات المفترض حدوثها ليتقدم الإنسان وواقعه، والتنظير ليس بناء في الفراغ، إنه بناء ينتجه الواقع عبر نخبة تعيش تحولات الواقع وهدفها تغييره في الوقت نفسه، وهذا يتطلب بناء كتلة تاريخية تحمل مشروع التحول.. طبعا التقدم ليس طفرة بل نحت دائم، والمهم في الأمر تأسيس الحرية، وتأسيسها كفيل بتحريك الركود والجمود، وكفيل بتحرير الإنسان من أساطيره.. صحيح، إن الحرية قد تنتج أثناء حركتها وفاعليتها ماضويات إلا أن حركة التاريخ التي يتحرك في عاصفتها إنسان حر ستولد طاقة جبارة تعقلن وجود الإنسان كلما تراكمت خبراته.