تتنافس الفضائيات العربية على تقديم المسلسلات والمسابقات والبرامج خاصة في رمضان، وللأسف قليلها يفيد وكثيرها يسيء للقيم ويخدش الحياء ولا علاقة له بروحانيات الشهر الكريم. وأود هنا الحديث عن المسابقات التي تسحب أموال البشر بالتضليل الفاضح، واستثني الهادفة في معناها ونتائجها دينية كانت أو علمية أو ثقافية وغيرها من المسابقات التي تقدر قيمة الجهد وتحفز على التفوق وتشجع المواهب. فاليوم تتفشى ثقافة الابتزاز السريع مع سبق الإصرار، إن كان في إعلانات بعض الفضائيات أو عبر رسائل قصيرة على جوالك من جهات مجهولة تدعوك للاشتراك في مسابقات تافهة وبرامج معلوماتية لتزودك بنصائح الرشاقة والصحة وصولا إلى جديد النكت والفرفشة، فتخطف أموالك مع كل اتصال أو رسالة قصيرة عشرة أضعاف القيمة، ولا يفكك منهم إلا بأمرين، الأول أن تراجع مكتب اشتراكات هاتفك الجوال لتنظيف الشريحة أو أن تغير رقمك والشركة من بابها. زمان كانت الأسرة والمجتمع يشجعون الناشئة على التحصيل الجاد ويحفزون على الكسب بالحلال وبالتعب، وكان الأب والأم يفرحان بارتباط أولادهما بالقراءة أو بهواية جادة، وانخراطهم في العمل من باب الاستفادة من الوقت وكسب الخبرة والمعرفة، ويعلمانهم مبادئ وقيم الحياة وقيمة العمل، ويغرسان المسؤولية المبكرة لدى الولد والبنت على السواء ليطمئنا عليهم عندما يتحملون أعباء الحياة بجدية ... أما في عصرنا هذا فقد تبدلت ثقافة الكد والجدية بثقافة الكسل وأحلام اليقظة، وبدلا من تربية (تعلم وانجح.. واتعب تفلح) أصبح الشعار السائد (اتصل واربح.. وارسل واكسب)، وبلغ الكسل مداه مع إدمان الإنترنت وشاشات التلفزيون، ولذلك لا غرابة أن تتمادى تلك الوسائل في حيلها طالما تدر عليها أموالا طائلة وبسهولة من جيوب السذج مدمني الأوهام.. يا جماعة الخير الأمم تبنى على الجدية وثقافة العمل، والدول التي تغرقنا بمنتجاتها البسيطة والمتطورة لم يكن لها أن تنتج وتصدر، لولا رؤيتها الجادة لبناء الفرد والمجتمع، وبرامجها الحازمة التي يتفاعلون معها حتى أصبح لديهم الوعي بقيمة الوقت وكل شيء، وقد فعل ذلك أسلافنا الذين بنوا حضارة عظيمة قدموها للعالم، لكن تبدلت الأدوار وما لزماننا عيب سوانا، فالمتقدمون يفكرون وينتجون ويكسبون بقدر ابتكاراتهم وعملهم، ونحن ننفق لنزداد كسلا ونستهلك ونتسلى بالشاشات والاتصالات ونمني النفس بالمسابقات التي أصبحت كاليانصيب. فهل نفيق؟!!.