على الرغم من أن المعيار المالي هو المؤشر الأبرز لتقييم أداء مؤسسات الأعمال في معظم دول الاقتصادات الناشئة وقياس مدى كفاءة أجهزتها التنفيذية في تحقيق الأهداف التي يتطلع المستثمرون وحملة الأسهم لتحقيقها، إلا أن السنوات الماضية شهدت بروز معايير إضافية لتقييم أداء الشركات في المملكة وذلك بالتزامن مع التطورات المتلاحقة التي يشهدها اقتصادنا الوطني وزيادة الوعي العام بدور المعايير غير المالية في تقييم أداء الشركات وتحسين سمعتها وزيادة دورها في تعزيز وتنويع البنية الاقتصادية للمملكة. ومن أبرز تلك المعايير الحديثة لقياس نجاح الشركات تطبيقات الحوكمة المؤسساتية، وانتهاج الشفافية والإفصاح، وتطويرالموارد البشرية، والتشجيع على الابتكار، وتبني برامج المسؤولية الاجتماعية، وتطوير بيئات العمل الداخلية على نحو يعزز القيم، ومراعاة البيئة عبر تطبيقات الاستدامة، ودعم الشركات الناشئة وأخيرا، ما يعرف بالمواطنة التنظيمية التي يقصد بها حرص الشركات على حفز التصرفات التطوعية للموظفين والتي لا تندرج ضمن مهامهم الوظيفية. ونظرا لأن اعتماد العديد من تلك المفاهيم والتطبيقات يتطلب موارد مالية إضافية تتجاوز مخصصات تنمية الأعمال الرئيسية لذلك فإن تبنيها من قبل الشركات قد لا يعكس بالضرورة مواقف أخلاقية أو مثل عليا تؤمن بها المؤسسة بقدر ما يعود في تقديري إلى عدة أسباب من أهمها الرغبة في الالتزام بالسياسات والتوجهات الحكومية الداعمة لتبني وتطبيق مفاهيم حديثة للتقييم واحتدام المنافسة بين كيانات الأعمال ورغبة كل منها في التميز عن المنافسين. من جانب آخر فقد أسهمت منظمات المجتمع المدني في تبني المعايير الجديدة هذا بالإضافه إلى تنامي التشريعات الدولية في هذا الاتجاه وتزايد متطلبات الرقابة وارتفاع سقف المسموح بتناوله إعلاميا والانفتاح غير المسبوق لوسائل الإعلام حيث أدى كل ذلك إلى زيادة وعي الشركات بأهمية تطبيق مفاهيم أساسية للقياس تنطوي على أبعاد وطنية واجتماعية تتجاوز الربحية المالية إلى تحسين الصورة الذهنية لدى كل من عملائها والرأي العام وبالتالي كسب التأييد، والتمهيد لتسويق الشخصيات والسلع والخدمات والأفكار. ومع تسارع وتيرة تطبيق تلك المفاهيم الحديثة نسبيا، تم تصنيف العديد منها كمعايير جديدة أضيفت للمعيار المالي لقياس فاعلية وكفاءة الأعمال وأصبحت الشركات تتنافس على تعزيز أدائها وبرامجها الموجهة لتطوير المجتمعات والأفراد والبيئات بعد أن كان هدفها الأوحد هو تعظيم العوائد المالية للمساهمين عاما بعد عام. لذلك فلم يعد كافيا تحقيق الأهداف المالية لمؤسسات الأعمال في معزل عن مراعاة المعايير الجديدة ويظل العامل الأبرز في تبني وتطبيق المفاهيم الجديدة هو مدى قناعة حملة الأسهم وكبار موظفي الأجهزة التنفيذية في الشركات بجدواها وحرصهم على سن الأنظمة الداخلية الداعمة لتطبيقها واعتمادهم للميزانيات اللازمة لذلك. ولعل المطلوب الآن لتعزيز هذا التوجه في المملكة وحث المزيد من قطاعات الأعمال على تبني المعايير الحديثة للتقييم هو ترسيمها من خلال إصدار الأنظمة الملزمة بتطبيقها لاسيما تلك المتعلقة بالاستدامة وتطوير بيئات العمل وتعزيز القيم وحفز قطاع الأعمال على زيادة مساهماته في تطوير المجتمع والتشجيع على العمل التطوعي، وإلزام الشركات على الإفصاح عن مساهماتها الاجتماعية والبيئية في ملاحق خاصة في التقارير السنوية أو إصدار تقارير خاصة عن جهودها في مجال التنمية المستدامة تتضمن جهود ومبادرات الشركات في دعم الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في المجتمعات التي تتواجد فيها. وقد يكون من المفيد التدرج في ذلك بالبدء بالشركات المدرجة في السوق المالية وإعطاء حوافز وامتيازات لأكثر مؤسسات الأعمال تميزا في التطبيق. وثمة أمثلة عديدة على التطبيق الناجح للمعايير الحديثة للتقييم غير المالي للشركات في المملكه لعل من أبرزها مدى إلتزام الشركة بجهود السعودة وتوطين الوظائف حيث تتسابق مؤسسات الأعمال للفوز بجائزة الأمير نايف للسعودة كما يعتبر برنامج نطاقات الذي أطلقته وزارة العمل هو أحد التطبيقات الأكثر فاعلية في هذا الصدد، في حين أصبح الفوز بجائزة الملك خالد للتنافسية المسؤولة في مقدمة الأهداف التي تسعى لتحقيقها كبريات الشركات ومؤسسات الأعمال في المملكة .. والأمر المؤكد هو أن نمو أعمال الشركات ونجاحها في تحقيق أهدافها يرتبط إلى حد كبير بمدى نمو المجتمعات وقدرتها على تلبية الاحتياجات الأساسية لغير القادرين من أفرادها وتحويل المساهمات الاجتماعية للشركات إلى أعمال مؤسسية منظمة تدار بكفاءة أسوة بالأنشطة الرئيسية للشركة مع الحرص على تطوير شرائح اجتماعية في حاجة لمثل هذا النوع من الدعم إضافة إلى مد يد العون لدعم أصحاب الأعمال الصغيرة والناشئة وذات الجدوى الاقتصادية ممن نجحوا في إقامة مشاريعهم التجارية التي تعتبر أحد المحفزات الحقيقية للاقتصاد الوطني، الأمر الذي من شأنه المساهمة في خلق المزيد من فرص العمل وتوسيع القاعدة الاقتصادية الوطنية.