أكد عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للإفتاء الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان أن الاعتدال والوسطية مطلوبان في الإسلام، مبينا أن المقصود بالاعتدال الوسط بين طرفين متناقضين، طرف الغلو والتشدد وطرف التساهل والتميع، مستنكرا تسمية البعض المحافظة على الدين تشددا، والتسامح إضاعة لحقوق الله وعباده. وأوضح في حوار ل«عكاظ» أنه لا ينبغي ترك الواجب لفعل المستحب وأنه إذا ترتب على العمرة مشقة أو تقصير في واجبات الصلاة وأركانها فهذا لايجوز، وبين أن الأجر العظيم ليس لمن يصلي داخل المسجد الحرام فقط، لافتا إلى أن كل مساجد مكة التي تقع داخل الحدود المعروفة هي ضمن المسجد الحرام وكلها تضاعف فيها الصلاة وتعدل 100 ألف صلاة، وأنه يمكن للمسلم أن يصلي في مساجد مكة وأن لا يصر على الذهاب للمسجد الحرام المحيط بالكعبة المشرفة مع المشقة والزحام.. فإلى التفاصيل: • يحل علينا شهر الصوم الكريم ولا شك أن هناك الكثير من الأمور التي ينبغي على المسلم أن يفعلها فيه، هل من كلمة في هذا الخصوص؟ • من نعم الله على المسلمين وفضله وإحسانه أن يحل عليهم في كل عام شهر رمضان المبارك الذي أودع الله فيه من الخيرات والمبرات الشيء الكثير وذلك لأن المسلم يغتنم هذا الشهر في عمره ويستغله في ما شرعه الله فيه من الطاعات والقربات في ليله ونهاره. وهو شهر واحد وسط اثني عشر شهراً فالمسلم يستغله في طاعة الله وفي العبادات وما يقربه إلى ربه وبالمقابل يتوب عن الذنوب والمعاصي لأن الله فتح له باب التوبة في هذا الشهر الذي تغلق فيه أبواب النيران وتفتح أبواب الجنان وهو فرصة للمسلم لكي يستغل هذه الظروف التي هيأها الله له فلا يمر عليه الشهر وهو في غفلة عنه فيمر دون أن يستغله وهو لا يدري هل يعوضه في المستقبل، فالإنسان لا يدري هل يدرك رمضان مرة أخرى أم يكون الأخير في حياته، لذلك عليه أن ينتهز الفرص التي أتاحها له الله فيقدم خيراً لنفسه، والله تعالى يقول «وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا». انتهاز الفرصة • لا شك أن هناك كثيرا من الصوارف التي تمنع المسلم من انتهاز فرصة هذا الشهر الكريم، هل لنا أن نتعرف عليها ليتجنبها المسلم؟ • الصوارف كثيرة منها الغفلة والانشغال بما لا يفيد من اللهو واللعب والمرح وغير ذلك مما يزاوله كثير من الناس بحجة الترفيه والتوسعة وربما كان مصادفة رمضان للعطلة الصيفية فهم يعتبرونها فرصة للشهوات والغفلة فيجعلون رمضان موسماً من مواسم اللهو مع أنه أهم مواسم الطاعات فعليهم أن يميزوا هذا الشهر، وإن كان كل عمر المسلم يجب أن يستغل في طاعة الله لأنه فرصته لتحصيل الطاعات والفوز بالجنة والنجاة من النار، فإذا أفلس من رمضان وفي بقية عمره فقد خسر خسراناً مبيناً وأضاع عمره في ما لا يفيد. قال الله جل وعلا «والعصر، إن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر». فعمر الإنسان هو فرصته في حياته الدنيا ليتقرب إلى ربه وليقدم إلى نفسه ما يسعد به يوم لقاء الله وينال رضاه ولا يضيعه في ما يضره ولا يفيده كحال كثير من الناس ولاسيما بعد انتشار المدنية ووسائل الترفيه واللهو، فالدنيا فانية والآخرة باقية، والدنيا مدبرة والآخرة مقبلة. فكرة خاطئة • بعض المسلمين لا يرون الصوم إلا إمساكاً عن الأكل والشرب وبعض الشهوات الأخرى، هل من تصحيح لهذه الفكرة الخاطئة؟ • الصوم هو الإمساك عما حرم الله، وهو على نوعين: إمساك عن المحرمات والمعاصي، وهذا لا يفطر منه إلا عند الموت ولقاء الله لأنه صوم عما حرم الله. النوع الثاني هو الصوم عن الأكل والشراب والمفطرات وهذا يكون في رمضان وأيام التطوع حيث يمسك الإنسان عن ذلك كما قال الله تعالى في الحديث القدسي «ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من المسك». وقال جل وعلا «الصوم لي وأنا أجزي به». الأئمة والاعتكاف • البعض كذلك يفهم الاعتكاف خلال العشر الأواخر على أنه هروب من المسؤوليات، فبعض الموظفين والأئمة يذهبون للاعتكاف ويتركون أعمالهم، كيف نصحح مثل هذه المفاهيم الخاطئة؟ • الاعتكاف هو لزوم مسجد تؤدى فيه الصلاة لطاعة الله عز وجل وهو أمر مشروع وفضيلة وفيه أجر عظيم «وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود»، فذكر العاكفين مع الطائفين والمصلين. كما قال تعالى «ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد». كذلك فالمعتكف يتخلى عن معاشرة أهله ويتفرغ لعبادة ربه عز وجل. ولكن إذا ترتب على الاعتكاف تضييع الأعمال للموظف أو للمسلم نحو أهل بيته أو ما أشبه ذلك فإنه يضيع واجباً ويفعل مستحباً وهذا فيه خسارة عظيمة لأن أداء الواجب أفضل من المستحب. ولكن إذا قام المسلم بتنظيم وقته وأخذ إجازة من مكان عمله أو قام بترتيب أمور أهله قبل اعتكافه فلا بأس في ذلك. أما تضييع الواجبات والذهاب للاعتكاف فهو خطأ. كذلك فالاعتكاف لا يعني مجرد لزوم المسجد والانشغال بالنوم وأمور الدنيا أو محادثة الناس، فالاعتكاف هو لزوم المسجد والتفرع بصورة تامة لطاعة الله عز وجل وتلاوة القرآن. تكرار العمرة • كثير من المسلمين يحرصون على أداء هذا النسك، وهناك من يزيد في حرصه، ولكن هل يجوز تكرار العمرة في هذا الشهر الكريم، لاسيما مع قدوم الملايين من خارج البلاد خلال شهر الصوم الكريم؟ • العمرة عبادة عظيمة وهي الحج الأصغر والنبي صلى الله عليه وسلم قال إنها في رمضان تعدل حجة أو تعدل حجة معه، ولها فضل عظيم، ولكن يجب أن يراعى أن الإنسان لا يضيع أعماله الواجبة ويذهب للعمرة. كذلك فالعمرة في هذا الزمن أصبحت شاقة بسبب الزحام وكثرة الناس والإنسان قد لا يتمكن من الصلاة في المسجد الحرام بسبب المزاحمة وقد يضطر لمدافعة الناس مما قد يسبب بعض الخلل فإذا ترتب على العمرة مشقة من هذا النوع أو تقصير في واجبات الصلاة وأركانها فإنه لا يضيع الواجب لأجل المستحب. كذلك فإن الأجر العظيم ليس فقط لمن يصلي داخل المسجد الحرام، فكل مساجد مكة التي تقع داخل الحدود المعروفة هي ضمن المسجد الحرام ولله الحمد وكلها تضاعف فيها الصلاة وتعدل 100 ألف صلاة. فيمكن للمسلم أن يصلي في مساجد مكة وأن لا يصر على الذهاب للمسجد الحرام المحيط بالكعبة المشرفة مع المشقة والزحام. أما تكرار العمرة فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول «تابعوا بين الحج والعمرة» ولم يحدد عدد المرات. ولكن إذا كان يترتب على ذلك ضياع واجبات أو إخلال بصلاة الفريضة أو مشقة فالعمرة غير واجبة وإذا أداها مرة واحدة فإن هذا يكفي ولا ينبغي أن يزاحم الناس. تتبع الأئمة • بعض الراغبين في الأجر يتتبعون الأئمة ويبحثون عن أصحاب الأصوات الجميلة، هل هذا يجوز؟ • الصوت الجميل في تلاوة القرآن مطلوب ولكن إذا كان قصد الإنسان هو التلذذ بالصوت ونغمته فقط فهذا لا يجزيه شيئاً ولا يوجب له الأجر. أما إذا كان قصده التأثر بالقراءة والخشوع وسماعها من قارئ مجيد فهذا يؤجر عليه. ولكن أن تهجر بقية المساجد بسبب التزاحم على المسجد الذي به إمام حسن الصوت ويحدث التدافع فهذا مما لا ينبغي، والمسلم يبحث عن الإمام الذي يتقن الصلاة ولا يكتفي بجودة القراءة وإنما يبحث عن الخشوع. والقراءة كما قيل مكيال، فمن وفَّى وفَّى الله له ومن طفَّف فإن الله توعد المطففين. استغلال رمضان • كيف نستطيع استغلال الشهر الكريم لتعزيز الوحدة الإسلامية وتوحيد صفوفها وفي نفس الوقت التحذير من شق صف الجماعة؟ • كما قلنا فإن صلاة التراويح والتهجد في العشر الأواخر من رمضان تشرع في المساجد من أجل وحدة الكلمة وتوحيد الصفوف ومن أجل التعارف بين المسلمين وزيادة التراحم بينهم. فهذا الأمر مرغوب في رمضان وفي غيره. والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يصومون هذا الشهر في وقت واحد وهذا مما يوحِّد المسلمين في عباداتهم، والله جل وعلا حثَّ ورغَّب في اتحاد الكلمة وعدة الفرقة وعدم الشذوذ. وشهر رمضان وما فيه من الاجتماع لصلاة التراويح والاعتكاف في المساجد يساعد على توحيد كلمة المسلمين وتعارفهم. التساهل والتشدد • بعض الشباب الصغار ينخدعون بما يأتيهم من الخارج وبسبب ذلك يقعون إما في شراك التساهل وإضاعة الدين، أو باللجوء للتشدد والغلو وذلك يأتيهم عن طريق الإنترنت الذي أصبح وعاءً كبيراً يطلع عليه الجميع، ما تعليقكم ؟ • الخير له دعاة والشر كذلك له دعاة وهذا من طبيعة الحياة منذ قديم الزمن، والحمد لله إذا وجدت وسائل خير ووجدت وسائل شر كبعض الفضائيات فهناك ما يقابلها من برامج الخير وفضائياته. لذلك شرع الله صلاة الجمعة وخطبتها لتوعية الناس وتوجيههم، والله تعالى ضمن لنا أن تتم مصالحنا وأن تستقيم أمورنا وأن تجتمع كلمتنا. فلا نلتفت إلى ما يخالف ديننا ومصالحنا ومجتمعنا إلى أعدائنا الذين هم ضائعون، فكيف نقتدي بهم ونترك ديننا الذي هو عصمة أمرنا وفيه صلاحنا ونجاحنا في الدنيا والآخرة، فهذا هو الخسران. الاقتداء بالغرب • ولكن البعض يرى في الاقتداء بالغرب تقدما وتطورا وحضارة ويتقيدون بالالتزام بكل ما يأتي منه وبالمقابل يستهزئون ويقللون من قدر ما نعتز به من قيمنا وثوابتنا الإسلامية؟ • هذا ناشئ إما بسبب الجهل بدين الإسلام والاعتقاد بأن في الغرب الرقي والتقدم، وإما بسبب النفاق ومعاداة الدين وكلاهما لا يتلفت إليه، فالدين كامل ولله الحمد والله تعالى يقول في محكم تنزيله «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا». فالدين فيه مصلحتنا في الحياة ولم يترك شيئاً فيه شر إلا حذرنا منه. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول «ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على ما هو خير لها وأن يحذرها مما هو شر لها»، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. الحمد لله لدينا دين وشرع إسلامي ولدينا انضباط ولا نحتاج للتشبه من الغرب. نعم نأخذ منهم ما هو صالح وجيد، وحتى هذا فأصله لدينا لأن الله تعالى يقول «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة». هي في الأصل لنا ولكنا أضعناها فأخذوها وهذا لا يدل على تقدمهم وإنما على تأخرنا نحن عن واجبنا. الأولى أن نعود إلى قوة ديننا الذي فيه كل الخير. لا بد أن نأخذ من منتجات الكفار ما هو فيه فائدة، لأننا نأخذه بالثمن وليس إحساناً منهم. ويجب علينا أن نعد العدة ولا نحتاج للغرب فالله تعالى يقول «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم». فالله جل وعلا أبان لنا طريق الخير وحذرنا من طريق الشر. أما أن نتشبه بهم في التوافه وما لا فائدة من ورائه فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في ذلك «من تشبه بقوم فهو منهم». فلا نتشبه بهم في أخلاقهم ولا في دينهم ولا عاداتهم لأن هذا ذلة والمعلوم أن المتشبه يتأثر بالمتشبه به، وهذا مما يدخل علينا كل أبواب الشر.