إذا أردت أن تعاقبني أو تقسو علي حقا، فأطلب مني أن أراجع دائرة على رأسها مدير (منبعج) متشدق ذو انتفاخ.. والأسوأ من هذا أن تطلب مني أن أصل إلى ذلك المدير لأتفاهم معه حول إشكال إداري أو فني مثلا، فقد رأيت وسمعت عن ظاهرة المدير (المنبعج)، ما جعلني أعمد إلى قراءة المعوذات كي لا (تنغزني) شياطيني كلما أوصلتني الظروف إلى باب أحد تلك النوعية من أهل الإدارة. الإدارة فن فكري وسلوكي، ينظم حركة المجتمع بخصوصيته وعموميته.. والمدير المثالي، رجل صاحب فن، يحمل من الحكمة، والتجربة، والرؤية العميقة، والفهم (السيكلوجي) الكثير.. لذا فإنك إذا ما صادفت إدارة ناجحة، فثق تماما بأن خلفها رجلا ناجحا.. واثقا من نفسه.. قليل (العقد) يعرف دوره تماما. البعض يجد في المنصب الإداري شكلا من أشكال (الشيخة).. فتراه وقد (ارتز) كما الطاووس، واعتبر من حوله صنفا بشريا أدنى.. فذاك يتقرب إليه بالوشاية، وآخر بالخطب الرنانة وآيات التبجيل والمديح، وثالث نذر طاقته وكرامته ووقته لإنهاء مشاغل مديره خارج نطاق العمل. والمؤسف في نوعية هؤلاء الموظفين، أنهم لا يحملون تقديرا أو محبة شخصية تجاه رؤسائهم.. اللهم إلا شكلا من أشكال النفاق الاجتماعي فرضته الحاجة المادية كانت أو المعنوية.. وهم أول من ينفض عن هذا المدير أو ذاك. إذا ما استبدل، أو اتهم، أو جرى تقعيده. وتكمن المأساة في أن الكثير من بعض أصحاب السلطة الإدارية لا يفطنون إلى هذا الواقع المرير إلا بعد فوات الأوان.. وبعد أن يصبح عهده في كان ياما كان، فتنهال المحازن على قلبه. إن من يطلع على أوضاع بعض المتقاعدين من الذين قضوا ردحا من أعمارهم في ميادين الإدارة يلاحظ العجب.. غالبيتهم يعانون من (الوحدة) والانطواء نتيجة انفضاض ذوي الحاجة من حولهم.. وهم يصابون بمرور الوقت كما يقول النفسانيون بمرض الكآبة المقيت.. ومنهم من يحاول الخروج من هذا الداء بمحاولة إظهار الأنا (التي سحقت) فلا حديث له إلا عن منجزاته التي كانت.. وأعماله التي تمت.. ومراكزه التي رحلت.. وزملائه الذين تناسوه. إلا أن البعض منهم يعود إلى نفسه وإلى فطرته ويتجرد من كل مظاهر السلطة الإدارية ليعود شيخا سمحا طيبا.. لا قبلة له إلا الكعبة. صديقي المدير (المنبعج).. عد إلى رشدك، وانفض عن كاهلك ثوب الشهرة.. عد إلى تواضعك وعد من حولك من موظفين أخوة وأصدقاء لك.. وزملاء مهنة وكفاح معك، لأن الله لا ينظر إلى المتكبر في الدنيا، ولا يرحمه، ولا يعبره.. ولأن الجنة لا يدخلها من كان في قلبه مثقال (ذرة) من كبر.. (يا ساتر) تخيلوا مقدار الذرة.. فما بالكم بسبعين أو ثمانين أو مائة كيلو جرام من الشحم واللحم الهش المغرور.. كيف سيكون العقاب إذن؟. إن المواطن العادي.. يرى الدولة من خلال ذلك الموظف أو المدير الذي يمثلها.. ودرجة رضاه مرهونة بما يلقاه من معاملة من عاملي تلك الدولة. وخطورة الأمر تكمن في أن تتضعضع صورة الحكومة أمام مواطنيها نتيحة سوء الخلق، أو التعالي والفوقية، أو الجفاف الإنساني الذي يمارسه بعض (ذوي العقد) من الرؤساء. هذا الأمر يجب أن ينظر إليه بجدية فائقة.. ففيه بعد استراتيجي نافذ قد يؤثر على صفاء العلاقة بين الدولة والمواطن بمضي الوقت.. فممثل الدولة، يعني الدولة.. وبالتالي عليه أن يمثلها خير تمثيل، خاصة وأنه مستأمن، مستأجر، وقد وضع لأداء رسالة وأمانة تضعه في النهاية أمام موازين المحاسبة في الدنيا والآخرة.. وليتق الله. ذلك الأمر ينسحب على كل عامل يتقاضى أجرا ويمثل غيره.. فموظفو الكاونترات والاستقبال، المدرسون، أساتذة الجامعات، السفراء.. وغيرهم، الجميع مطالب أمام الله وأمام الوطن، بالاعتدال وبحسن الخلق، وبصون الأمانة، وبالتيسير لا التعسير، وبالتبسيط لا التعقيد، في حدود ما أمر الله به من سلوك، وما وضعته الدولة من نظم.. وفي هذا النهج يتحقق نوع من أنواع العدالة الاجتماعية، وتسود الألفة، وتقوى لحمة المجتمع، وتتجلى الروح الواحدة.. فيصبح من العسير على كل مبغض وحاقد أن يجد لنفسه أو لبوقه مكانا بين الصفوف وقد تآلفت. إن الأبواب مفتوحة، ووسائل الاتصال متاحة، والتقويم أمر يخص العامة والخاصة، فمن رأى منكم منكرا فليغيره.. والتعجرف والتعالي والغرور واستغلال المناصب من قبل بعض (المنتفخين)، منكر بين يجب محاربته وعدم السكوت عليه.. والتغاضي عن ذلك نوع من التخاذل أعاذني الله وإياكم من تبعاته. يقول الإنحليز: من نام متأخرا.. لا ينام مرتاحا.