إذا كان الصمت قوة.. فإنه حرية وموقف.. يمكن مراجعته والتأكد منه دون إلزام أو التزام.. إلا أن الصمت.. ولو أن الحكمة قد أفاضت في فوائده ومعانيه.. أحيانا يعتبر جبنا وتخاذلا.. وهربا من قول الحق وكلمة المنطق.. والصمت المحبوب.. هو صمت من يعلم ليقول وقت الحاجة.. القول الفاصل الحكيم.. كما أن هناك فرقا بين صمت وصمت.. هناك فرق بين صامت وصامت.. والفرق بينهما يعرفه العقلاء.. وأولو الألباب.. أما الصمت في حريته غير ملزم لصاحبه.. أما الكلام ملزم مقيد لصاحبه، مسؤول عنه.. ويعتبر عند أولي الشهامة والكرامة والحق.. عهدا ووعدا.. لا يتراجعون عنه.. ولا ينفونه عن أنفسهم.. ولا يهربون من منطقه.. بل ويدافعون عنه.. ويستبسلون في إقراره وتأكيده.. فرق بين متكلم ومتكلم.. كما أن هناك فرقا.. بين كلام وكلام.. هناك متكلم ثرثار.. يلقي الكلام على عواهنه.. وكأنه مارد أصابه هياج.. لا يرد له بأس.. يضرب في الأرض خرابا وهدما، ووعدا، ووعيدا.. ويرى لنفسه الأحقية في أن يتكلم عن سائر البشر.. ويرى نظرات الاستغراب، أو ربما عدم القبول.. ومع هذا.. فلا يكاد يخرج من موضوع حتى يدخل في غيره.. هذا المتكلم غير مأمون الجانب.. فهو جاهل لا يعرف حمقه.. وهو أحمق لا يعرف جهله.. أما المتكلم الواعي.. فهو مسؤول عن كلامه الحكيم.. وقدرته على التعبير.. متسلسل الأفكار.. قوي الحجة.. يجمع بين الدين والدنيا في نغمة تآلف.. وكأنه بلبل يغرد.. يستمع له ويؤخذ برأيه.. ويوثق في وعده وعهده.. قوي الشكيمة.. صادق الوقفة.. مستمع يقظ.. ومتكلم متمكن بيقظة .. لا يرسل ولا يسترسل بغير معنى لا مقصد.. ذو عاطفة جياشة وإحساس مرهف.. لا يقبل الضيم.. ولا يتعامل مع الظلم.. ولا يهادن المنكر.. [email protected]