لم يعد «النحاس» سعيد باقصيان، ينتفع من مهنته التي كانت تدر عليه أموالا كبيرة وتعتبر في زمن ما من أهم المهن في جدة، فوالده الذي علمه وأخاه تلك المهنة في معالجة النحاس وتصليح الأباريق والقدور لم يكن يعلم أن المنتجات الصينية سوف تقضي على تلك المهنة وتجعلها من الماضي. الطلب عليها وافر يقول باقصيان: «تعلمت وأخي من والدنا كيفية تصليح النحاسيات، بكل أنواعها وقد كانت ورشة والدي رحمه الله في سوق الذهب آنذاك، وبعد أن أتقنا العمل فكر والدي في أن ينقل الورشة إلى مكان ملائم وأكثر ربحا من سوق الذهب، فعمل على استئجار ورشة صغيرة مقابل مدرسة الفلاح.. وقديما كانت المنطقة مليئة بالقصور والعمائر الفخمة، وكان فندق صقر قريش أحد أفخم الفنادق آنذاك وكان العمل جيدا جدا، فقد تكفلت وأخي بإصلاح جميع النحاسيات من الأباريق والقدور والأواني حتى التحف، وكما عملنا وأخي على تلميع بعض من المشغولات الفضية والذهبية التي تخص تلك العائلات الكريمة التي سكنت المنطقة، ولم نكن نستطع إنجاز جميع العمل فكان الطلب على هذه المهنة وافرا.. أسعار رخيصة ويشير باقصيان إلى أنه وفجأة دخلت إلى المملكة الأواني الصينية التي بدأت المصانع الصينية في إنتاجها مثل الأباريق والقدور بأسعار رخيصة جدا، وتم إدخال مواد أخرى على المنتجات وأصبحت تستهلك سريعا، ولا حاجة إلى صيانتها فسعر الجديد منها رخيص جدا، وتلميع النحاس أو تصليحه مكلف نظرا إلى ما يحتاجه من مواد منها الشب وبعض الزيوت، والنار التي لابد أن تكون على درجات معينة، ومن هنا بدأ العمل يقل وزاد في النقصان حتى وصلنا إلى الوقت الذي نستلم فيه عمل أو اثنين في الشهر. أعيش على الأمل ويستطرد باقصيان قائلا: « لقد أصبحت الأواني النحاسية التي كانت تحتاج إلى تلميع وصيانة شبه معدومة»، وأضاف: «ومع ذلك رفضت أن أتخلى عن مهنتي ولازلت أعمل فيها ولازالت الورشة مفتوحة وكل يوم أعيش على أمل أن يأتي زبون ما فأنا لا أتقن غير تلك المهنة، والحمد لله على كل حال، وزاد: لقد أتى شهر رمضان لن ننسى إن شاء الله من بركته ففي كل عام عندما يأتي رمضان يعمل الفوالون على صيانة وتلميع جرار الفول، كما أن هناك بعض العائلات تلمع أباريق القهوة القديمة، وبعضا من الأواني التي تمثل لهم ذكريات في حياتهم».