استوقفني تصريح رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) أن «الهيئة» لا تستثني أحداً في قضايا الفساد، وأنها تعمل على ملاحقة كبار المفسدين قبل صغارهم. وجميل جداً أن نسمع مثل هذا التصريح والموقف الواضح في الوقوف ضد الفساد أياً كان نوعه، وأياً كان مرتكبه، خاصة الكبير قبل الصغير. كلنا نعرف مبدئياً قضايا الفساد، وأهمها الفساد المالي والإداري الذي ينخر في التنمية، ويتحايل على القوانين، ويلتف على الأحكام والتشريعات. وكما ورد في موقع الهيئة «نزاهة» يعتبر فساداً «كل سلوك انتهك أياً من القواعد والضوابط التي يفرضها النظام، كما يُعد فساداً كل سلوك يهدد المصلحة العامة بخيانتها وعدم الالتزام بها وذلك بتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وكذلك أي إساءة لاستخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة». وظاهرة الفساد تشمل جرائم متعددة مثل: الرشوة، والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة استعمال السلطة، والثراء غير المشروع، والتلاعب بالمال العام واختلاسه أو تبديده أو إساءة استعماله، وغسل الأموال، والتزوير، وتزييف العملة، والغش التجاري وغيره. وكيما نترجم ما صرح به رئيس هيئة مكافحة الفساد أعمالا على أرض الواقع نأمل أن تضع الهيئة على موقعها قائمة بالمشاريع الخدماتية التي تم اعتمادها، وتتابعها وفقاً لميزانياتها المعلنة وتواريخ انتهائها، وأن يكون ذلك ضمن جدول زمني يطرح المساءلة ويتعقب المقصرين. إذ كم من مشروع تعطل بسبب الفساد المالي، وكم من مؤسسة فشلت بسبب الفساد. إن دور «نزاهة» يتعدى المعاقبة ويسبقها بتتبع المشاريع والوزارات والمؤسسات والدوائر المسؤولة عن تقديم الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن. ويظل دور المواطن ودور مؤسسات المجتمع المدني كبيراً في مشاركتها في التبليغ عن أوجه الفساد والضرر الذي يقع على المجتمع. وبهذه الطريقة تستطيع الهيئة أن تنشر ثقافة القضاء على الفساد. غير أن نشر ثقافة الجرأة في قول الحق والوقوف الحازم ضد التقصير تحتاج أيضاً إلى ما يدعمها من قوانين وإجراءات. ولعل في توجه خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله ما يمثل أكبر داعم لكل مواطن سعودي ولكل مواطنة سعودية تسعى نحو بناء ثقافة محاربة التقصير والتهاون. نحن في حاجة إلى أنظمة تحدد المسؤوليات وتضع العقوبات وتمنح الأفراد القدرة على الوقوف ضد الفساد في ظل نظام شفاف يعاقب على التقصير كما يكافئ على الإنجاز. إن المسؤولية أمانة كبرى لا تتحقق إلا من خلال ثقافة الكفاءة والنزاهة والمحاسبة. المسؤولية هي الكلمة الصادقة نقولها بحب وصدق لكل من تهاون في حمل الأمانة. المسؤولية هي العمل المتقن نؤديه لأننا نؤمن بالرسالة التي اؤتمنا عليها. المسؤولية هي الجودة في الأداء وتطبيق معايير التميز للوصول إلى أفضل النتائج في أقصر وقت وضمن المعطيات المادية المتاحة. المسؤولية هي الوقوف ضد الفساد مؤسسات وأفراداً. هذه المسؤولية لن تتحقق كاملة إلا عن طريق الشفافية والحماية التي تدعم كل من يقف في وجه التملق والفساد. إنها المسؤولية التي أوضح معالمها وسن قوانينها خادم الحرمين الشريفين في كلمته الجامعة أمام مجلس الشورى. فهل نحن على الدرب مع المليك سائرون؟ [email protected]