ولد الشاعر السويدي توماس غوستا ترانسترومر في 15 أبريل 1931، في العاصمة ستوكهولم، لأب صحافي لكن الوالدين غوستا وهيملي سرعان ما افترقا، ولم يعد يرى والده إلا نادرا، درس في جامعة ستوكهولم (تاريخ الأديان)، وحصل على شهادة البكالوريوس عام 1956. ثم عمل في معهد السيكولوجيا التابع للجامعة، لمدة أربعة أعوام لينتقل لاحقا إلى معهد سوق العمل في مدينة فيستروس. وفي عام 1990، تعرض توماس لجلطة دماغية أفقدته القدرة على النطق، غير أن زوجته مونيكا تكفلت بمساعدته في التعبير عما يريد قوله. وفي عام 2011، حصل ترانستروير على جائزة نوبل للآداب، مكافأة له على بساطة أسلوبه الذي يفتح، الأبواب على الواقع، ويرتقي بالإنسان إلى الأعلى، حسب تعبير الأكاديمية السويدية. وكان هذا الشاعر انطلق في بداياته، بقصائد تقليدية تمحورت حول الطبيعة، غير أن أعماله، سرعان ما اتخذت طابعا أكثر حميمية وحرية بحثا عن الارتقاء بالذات وفهم المجهول. ومن المؤكد أن كل من يرغب في قراءة الشعر، لا بد أن يطلع على قصائد الشاعر السويدي المرهف، (توماس ترانسترومر) الذي يعمل، بشكل متواصل على استحضار الصور الشعرية الواضحة والطبيعية، التي تنبض بالحياة، والتي تجعل القارئ يعتقد على الفور،أن الأمور هكذا، بالضبط. ففي أعمال توماس ترانسترومر، هناك الريف السويدي على شكل منتدى للطبيعة، حيث تتراءى لك البحيرات والأنهار والغابات وأرخبيل الجزر السويدية كما تتخيل الشاعر وهو يتحرك على غير العادة بهدوء واهتمام، متابعا الاختلافات في الفصول والتحولات المناخية. فهو يقول في قصيدة الغنرول الحزين: الربيع ينام خائفا الخندق ذو العتمة المخملية يزحف إلى جانبي دون انعكاسات ما يضيء فقط هي الأزهار الصفراء وحدها تشع يحملونني وحيدا مثل آلة كمان في صندوقها الأسود ما أريد قوله للمع خارج متناول اليد كما الفضة في محل الرهونات؟ وفي قصيدة «أوراق كتاب الليل» يقول: انزلقت إلى أعلى المنحدر في تلك الليلة المصابة بعمى الألوان فيما احجار بيض تعطي إنذارا للقمر. هي مرحلة طولها عدة دقائق وعرضها ثمانية وخمسون عاما وفي ورائي خلف المياه المشعة كالفوسفور كان الساحل الآخر ومن يحكمونه بشر لهم مستقبل عوضا من وجوه؟ وهناك أيضا الشمس، التي دائما ما تتجلى في شعر توماس ترانسترومر، حيث يبدو الظلام والليل من الأمور المعتادة كثيرا في قصائده، غير أنك إذا أمعنت النظر فسوف تجد الشمس الذهبية اللون تسطع على حياة الناس، وهي دائما دافئة وخيرة، لكنها نادرا ما تكون مخيفة، لأنها تحرق. ويقول في قصيدته بعنوان (طبيعة ذات شموس): الشمس تنزلق خلف جدار المنزل تستقر في منتصف الشارع وتتنفسنا برياحها الحمراء وغدا تقف شمس متوهجة في الغابة الرمادية شبه الميتة حيث سنعمل ونعيش كذلك، يؤكد توماس ترانسترومر، أن ما يحدث في عالم الأحلام يتسم على الأقل، بالغنى والأهمية وهو في كتابه الصحو هو بمثابة السقوط بمنطاد من الأحلام، اتسم بالطابع الخرافي، وقلب الامور رأسا على عقب. وقال: لذلك نقفز في عالم الأحلام، ذلك المكان الرائع، باتجاه حياة الحقيقية. ويقول شعرا: بحر النار الغاضب في كبد الفضاء يعرج إلى الأرض بغية المداعبة لقد بدأ العد العكسي. حلم بأنه كان أسيرا الكوكب يدور هادرا، عيون متلائمة عبرت الثلوج جمال المعجزات كان هناك. وفي قصيدة أخرى يقول: حلمت بأنني قطعت عشرين ميلا دون جدوى حينئذ تضخم كل شيء عصافير كبيرة كالدجاج غردت حتى صمت المسامع. حلمت أنني أرسم مفاتيح البيانو على طاولة المطبخ. عزفت عليها، عزفا أخرس، هرع الجيران للاستماع. أما بالنسبة إلى الموسيقى، فإن الشاعر السويدي، يكتب في قصيدته بعنوان (اليغرو) قائلا: بعد يوم أسود أقوم بعزف سمفونية (هايرن) وأشعر بالدفء قليلا في يدي فالموسيقى موجودة بشكل طاغ في جميع كتاباته وهو يستمتع بالاصغاء إلى موسيقى كبار المؤلفين الموسيقيين ويعتمد على الموسيقى من أجل اختيار عناوين قصائده فالموسيقى في شعر (ترانسترومر) هي لغة أخرى موازية لشعره، تتسم بالرحمة أكثر من الكلمات. ومن الواضح أيضا أن شعر توماس يمنحك إحساسا بالقوة حيال ما تشعر به عندما تفكر بالعالم من خلال بلد صغير في أقصى شمال أوروبا، خاصة خلال فترة الحرب الباردة، حيث كانت العلاقات مع الاتحاد السوفيتي خلال الفترة بين 19701960 مسلة في غاية الحساسية. وكان توماس ترانسترومر، من الشعراء القلائل الذين كتبوا عن الشعب الذي ظل تحت الحصار، وكانت تتم مراقبته من قبل الدول المجاورة، عبر بحر البلطيق. ولم يهمل توماس الكلام عن النموذج السويدي للرفاة، حيث عبرت كثير من أشعاره عن رحلاته التي كان يقوم بها بالسيارة إلى القرى الوحيدة والبلدات المضاءة في الطبيعة السويدية. وهو يقول في إحدى قصائده: على ظفتي لسان بحري، هناك مدينتان الأولى معتمة، محتلة، من قبل العدو في الأخرى تتوهج المصابيح الضفة المضيئة تنوم الضفة المعتمة مغناطيسيا أما الموت والجوع فيحتلان جزءا لا بأس به من إنتاج توماس ترانستردمر، لكن الموت عند شيء خفي وغير سار بالبشر يعيشون خارج نطاق حياتهم إلى أن يسرتها الموت، كما جاء في قصيدته بعنوان: بطاقة بريدية سوداء يحدث في منتصف الحياة، أن يأتي الموت ليأخذ مقاساتنا وهذه الزيارة تنسى وستتمر الحياة لكن الثوب يخاط بدون علم منا وكذلك يقول، في مكان آخر: أنا مومياء تهجع في تابوت الغابات الأزرق في هدير المركبات المتواصل والمطاط والإسفلت وما حدث أثناء أنهار يتضاءل فالدروس أثقل من الحياة. أما الجوع فيصفه قائلا: الجوع بناية عالية تتحرك أثناء الليل وفي أكثر المواقف تكون الأنا الشعرية لتوماس عبارة عن رؤية مفاجئة، حيث يستشعر إحساسا رائعا بمعنى الوجودية وطبيعتها، وهو يتحول في دروب الحياة، وقد أصبحت مثل هذه الصور الشعرية أحد أهم السمات المميزة لشعره، وهو يثير هذا الأساس في نفس القارئ أيضا. وهو يقول: الزمن ليس خطأ مستقيما إنه أقرب إلى المتاهة ولو اتكأ المرء على مكان مناسب من الجدار يستطيع أن يسمع الخطوات المسرعة، والأصوات ويستطيع أن يسمع نفسه تمر من هناك على الجانب الآخر وفي مكان آخر من قصيدة فيرمر يقول توماس: بيد أنه ضروري الجدار هو جزء منك وهو كذلك بالنسبة إلى الجميع ما عدا الأطفال الصغار لا جدار بالنسبة إليهم.