بشتني مدينة صغيرة ترقد ناعمة كوردة زاهية شذية في ريف سلوفاكيا، التي كانت واحدة من دول أوروبا الاشتراكية، هذه البلدة تبدو ساحرة الجمال تغريك بالسكنى والإقامة فيها، وإن كنت مثلي تبحث عن السكون والراحة فإنها ستنجح في جذبك إليها للإقامة في إحدى ضواحيها المطلة على النهر. من يخرج من فرن الرياض لا شيء أكثر جاذبية له من درجة حرارة معتدلة في غياب وهج أشعة شمس دائمة اللهيب بلا رأفة. في بشتني تجد حرارة الجو تتراوح من 16 20 درجة مئوية، وفي كل صباح تسدل السماء ستائرها الفضية تظللك من حرارة الشمس وتغازل عواطفك المشتاقة بولهٍ إلى زخات المطر، وحين ترتوي روحك بماء السماء وتطل برأسك من نافذة الغرفة يظهر أمامك المرج الأخضر منسابا على مد بصرك تحده أشجار الغابات الكثيفة وقد أسدلت أغصانها تتمايل كجدائل خضراء يلهو بها النسيم. عند الغروب يسحرك منظر طيور الماء البيضاء، يتداخل صوت رفرفة أجنحتها على وجه النهر مع زقزقة العصافير فوق الأشجار تتنادى للرواح قبل المغيب. تنبعث في نفسك الطمأنينة وتستشعر السلام من حولك حتى ليخيل إليك أن مشكلات العالم جميعها حلت فما عاد هناك بغي ولا ظلم، وما عادت هناك حروب واعتداءات وموت، وما عاد هناك فقر ولا مرض ولا قهر. تنسى جميع الصور المؤلمة، وتنسحب من ذاكرتك كل الذكريات الحزينة، يتلاشى من أمامك طيف صديق حميم غدر بك أو حبيب غال خان عهدك، يتلاشى كل ذلك من ذاكرتك بعد أن غسلت روحك هذه المدينة الوديعة بسلامها وسماحتها. لكن وجوه الناس من حولك لاتنبئ أنها تشاركك ما أنت فيه من الصفاء الروحي، فهذه الطمأنينة التي تستشعرها لا يستشعرها غيرك من سكان المدينة، فماذا حدث لهم؟ لم لا ينعمون بما أنت ناعم به؟ هذا الجمال الأخاذ، الذي يستحوذ على مشاعرك لا يراه أهل المدينة!! ما أقف أمامه خاشعة لله خالقه ومبدعه، لا ينال منهم لحظة من اهتمام أو حمد!! لو أني عشت بينهم، هل كنت سأتحول مثلهم إلى جليد من المشاعر لا يتأثر بما يرى؟! أم هو الحرمان الذي يجعلنا نقدر ما لا نجد أكثر مما نقدر ما نجد، بصرف النظر عن القيمة الفعلية لما نجد أو ما لانجد؟! هذه المدينة الوادعة آمنة لدرجة لا تخطر على بالك، حتى تكاد لا ترى فيها شرطيا واحدا ولا تسمع زئير سيارة شرطة أو صليل سيارة إسعاف. يمكنك أن تسير مطمئنا خلال الليل ولكن ليس بعد العاشرة، فذاك وقت إغفاءة المدينة لتستيقظ مع طيور الفجر لاحتضان يوم جديد. أخيرا، إن كنت تبحث عن المتاجر الكبرى أو الآثار التاريخية أو المدارس الفنية أو المطاعم الفاخرة أو أماكن التسلية الأخرى مما تتميز به المدن الكبيرة، فلا تقترب من هنا لأنك لن تجد شيئا من هذا. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة