"مع تسلُّلِ خيوطِ الربيعِ النَّاعسة تتفتقُ أحداقُ الفَجْر، وتُراقِص الفراشاتُ وَجْناتِ الزَّهرِ، وترْتشِفُ العصافيرُ حباتِ المطر".. ذلك السطر الاستهلالي لموضوع "فصل الربيع" المفروض علينا سنويا في مناهج مادة التعبير بجميع مراحل الدراسة. كم كنا نتغزل بالأرض التي تحولت إلى بساط أخضر تفوح منه رائحة الزهور البرية، وضحكات الورود الملونة التي تغازل شروق الشمس وتغريد الطيور المتناغم مع أهازيج الفلاحين في الحقول..! ونأخذ الدرجات الكاملة على تلك الأكاذيب الصغيرة الناصعة البياض؛ وفي الحقيقة لا رأينا بساطا أخضر ولا نعرف هيئة الفلاح ولا رائحة الزهور البريّة. وبفعل البرمجة اللغوية من تكرار "موضوع الربيع" علِق حُبه بحنايا الفؤاد ورسخت صوره المرسومة في ذاكرتنا، وارتبطنا بحب ذلك الزائر الوسيم الذي يأتي بإجازة الربيع ويجعل الحياة تتهلل بالألوان البهيجة، فأين هو الربيع الحقيقي! في كثير من مناطق العالم يحتفل الناس من الأشهر (مارس، وأبريل، ومايو) بشتى أنواع مهرجانات الربيع التي تحرك قريحة المصورين لملء خزائنهم الضوئية بأجمل الصور. وبغض الطرف عن أسباب نشأة تلك المهرجانات لطقوس دينية أو تقاليد خاصة أو ابتهاجا بمحصول معين من الفواكه أو الزهور فقد تحولت إلى مواسم ربيعية تثير الجمال والفرح. كمهرجان هانامي في اليابان ومعناه "تأمل الزهور" أشهرها زهور شجرة الكرز (ساكورا) التي تتطاير أوراقها الوردية الصغيرة مع نسمات الربيع فتثير الأجواء الرومانسية في الحدائق؛ يتفيأ العشاق ظلال أشجارها، ويلتقط العرسان أجمل لقطات العمر بين أزهارها. وقد أُهديت أشجار الكرز إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وزُرِعت في واشنطن دي سي حول "نهر بوتوميك" تقليدا لليابانيين. ومنها مهرجان الألوان في الهند الذي يتراشق الناس بالألوان ابتهاجا بالربيع وتقام فيه الاحتفالات والألعاب والرقصات وذوبان الفروقات بين الناس. كذلك مهرجان المناطيد في تكساس والمكسيك وفرنسا حيث يفد السائحون والزوار للمشاركة فيه؛ فتطير مئات المناطيد الملونة في وقت واحد وتكوّن منظرا بديعا في السماء. وغيرها كثير مثل مهرجان الفوانيس في الصين ومهرجان الليمون والبرتقال في الرفيرا جنوبفرنسا ومهرجان البطيخ في إيطاليا. أما أكثرها شهرة وجمالا وشاعرية على الإطلاق هو مهرجان التوليب في هولندا حيث تزرع بصيلات زهرة الحُب "التوليب" في الحقول على مد البصر بتشكيلات ألوان منمقة اصطفت بمهارة بالغة، يرافقها الاحتفالات والرقصات الشعبية السنوية. ويحرص عشاق الزهور والمصورون من أنحاء العالم على زيارتها في أول شهر مايو لالتقاط الصور للربيع الحقيقي.