هل ودعت الأيدي الماهرة لأصحاب المواهب والقدرات المهن القديمة إلى الأبد أم أن هناك بصيص أمل يعيد لهذه الحرف رونقها وأصالتها المكتسبة .. يقول أحد الحرفيين: إن هجمة العصرنة لم تسحب البساط من الأعمال اليدوية فقد ظلت هي مهوى الناس وافئدتهم لارتباطها بالتراث والفلكلور الشعبي والذاكرة المجتمعية. كما أن دخول المعدات والآلات الحديثة إلى الصنعة أكسبها السرعة وكثافة الإنتاج. وتعد المنطقة التاريخية في جدة أحد أبرز المواقع التي لا تزال تحتفظ ببعض المهنيين اليدويين، وأصحاب الحرف النادرة التي أحالت المنطقة إلى واحة للتراث والفلكلور الشعبي، إذ تتعدد الصناعات في المنطقة ما بين القديم العتيق والجديد المعاصر لكن الغلبة دوما لصالح القديم إذ تبدع أيديهم الرشيقة في تحقيق النصر تلو النصر على المعدات المستقدمة من طوكيو وواشنطن. لا للانقراض عاصم بن سويد أحد اشهر صناع الحزام (الكمر) أبحر بتفاصيل المهنة في حديثه ل (عكاظ) مؤكدا ان الحرفة التي امتهنها قبل سنوات أصبحت في حكم المنقرضة بسبب تقدم الآلات والمعدات ، ويقول (بدايتي كانت قبل ثلاثين عاما، كنا نخيط (الكمر) من الجلود المدبوغة يدويا، والحرفة منتشرة بصورة واسعة لارتباطها وقتذاك بالزي الشائع (الوزرة) و كانت حياكتها تتطلب منا جهدا ووقتا، نأخذ المقاسات بصفائح من حديد ذات احجام مختلفة و تتحكم بطول وعرض الكمر كما تتحكم أيضا بعدد (مخبأ) الكمر وطوله وعرضه. سألنا بن سويد عن الفروق بين الكمر الحالي والقديم في ظل توافر المعدات والآلات فقال ان البون شاسع وكبير.. قديما كان الإنتاج اليومي لا يزيد عن خمسة او ستة وحاليا المعدات تصنع اكثر من خمسين في اليوم الواحد. كنا ننتج من ستة إلى عشرة في اليوم، واليوم بعد تطور الآلة ننتج من ثلاثين إلى خمسين في اليوم . وقال متحسرا صحيح أن الآلة أغنتنا عن المجهود البدني الذي كنا نقوم به لكن جودة الصنع اليدوي هي الأقوى والأفضل. نهاية الصناعة التقليدية منير البالغ من العمر 60 عاما يعمل في متجر يملكه والده ويمارس فيه نشاط صناعة الأحذية (الزبيريات) وهي الحرفة التي كانت تستخدم فيها الايدي ومع تطور الآلات نهاية حقبة الطرق البدائية تطورت المهنة . ويقول ان الجلود كانت تستورد من الهند وباكستان على النقيض ما يحدث اليوم حيث تزخر الاسواق بالجلود الاصطناعية. وعن اقبال المستهلكين على بضاعته يقول إن أغلب زبائنه من السياح الزائرين للمنطقة التاريخية. أما سعيد عبد اللطيف صاحب محل سيوف وخناجر فقد ظل مستمسكا بحرفته لاكثر من 22 عاما كما يقول حيث درج على جلب المواد الخام من ابها وكانت الصناعة يدوية ومن الجلد الطبيعي المزين بالنقوش والفصوص المرصعة بالفضة وما زال الإقبال كبيرا على المنتوجات وتجد رواجا كبيرا من عشاق التراث الشعبي والألعاب .. ويرى عبد اللطيف أن المعدات أفسدت الصنعة وأفقدتها رونقها.