يشتهر أهالي الأحساء بالحرف اليدوية التي حققوا من خلالها شهرة واسعة تعكس ما قدمته سواعدهم من فنون مهنية منذ زمن بعيد، وقد ارتبطت هذه الحرف بأماكن صناعتها، واشتهرت بعض شوارع الأحساء بأسماء مهنها، حتى باتت تلك الشوارع التاريخية نار على علم، وأشهر من مدن الأحساء ذاتها. صانع سعودي يقوم بخياطة الثوب وتلبيسه داخل القماش. (تصوير: محمد العبدي) الشوارع المهنية في وسط مدينة الهفوف نابضة بالحياة حتى يومنا هذا تحتفظ بطابعها الأصيل، وتؤدي دورها بامتياز، وإن تغيرت ملامحها، وتبدلت دكاكينها، وتقلص عدد صناعها، لكن بما تبقى من مبدعين سعوديين لا تزال صامدة، حيث يعتبر كل شارع من هذه الشوارع المهنية مركزا تجاريا هاما بحد ذاته، يقدم السلع التخصصية المصنوعة بأنامل وطنية خبيرة، إضافة إلى أنه مكان يجتمع فيه أهل الصنعة على صنعتهم ويتبادلون الأحاديث ويبثون هموم حرفهم، بينما كانت هذه الشوارع في الماضي تشكل نقطة التقاء بين أهالي بلدات المحافظة وأهالي المدن. الشوارع القديمة في مدينة الهفوف التي ذاع صيتها ارتبطت باسم المهن التي تمارس فيها مثل شارع الحدادين، وشارع النجارين، وشارع الندافين، وشارع المدير وشارع أهل الفن والفنانين الشعبيين. ومن بين تلك الشوارع القديمة في مدينة الهفوف التي ذاع صيتها ارتبطت باسم المهن التي تمارس فيها، مثل شارع الحدادين، وشارع النجارين، وشارع الندافين، وشارع المدير وشارع أهل الفن والفنانين الشعبيين، وكذلك الشارع الملكي وإن كان حديث عهد. «اليوم» تجولت في شارع الندافين وهو من الشوارع العريقة في الأحساء، التي ما زالت بصمتها واضحة في تراث الأجداد بتواجد محلات الندافة التي تتربع على جانبي الطريق، تلك المحلات أو الدكاكين العتيقة وما زال بعضها على حالها بنكهتها الأصيلة تحكي قصة ندف القطن بأيد حساوية رصينة، حيث يشاهد الزائر أمام واجهاتها المساند والدواشق والتكيات متناثرة أو مصفوفة في إشارة واضحة للأجيال الحالية بأن الحرفة ما تزال صامدة، بينما بعض المحلات الأخرى تحولت إلى الحداثة وتغيرت أشكالها ومسمياتها تحاكي نهضة وتطور الأحساء السريع في كل جوانب الحياة، هناك في ذلك الشارع الذي يجاور مصلى العيد في طريق الإمام محمد بن عبدالوهاب المتفرع من طريق مبنى الإمارة القديمة بقلب منطقة الصالحية الشهيرة، يُحلج فيها القطن على الطريقة الحساوية المتمكنة. تعود الذاكرة بالحاج جابر أحمد الجبر، إلى قيصرية الأحساء، عندما كان يعمل في سن مبكرة في مهنة القطانة، حيث كانت القيصرية المكان الأصلي لهذه المهنة قبل أن تنتقل إلى مكانها الحالي في الصالحية، وكيف كان العمل شاقا وساعاته الطويلة التي تبدأ من منذ الصباح الباكر حتى غروب الشمس، لم يكن بينهم أي أجنبي تداعب يداه مهنة ندف القطن، مقابل ريالات معدودة، مشيرا إلى أن مهنة ندف القطن من الحرف القديمة التي اتخذتها بعض الأسر كمصدر رزق لها، من خلال عملية ندف القطن وتنظيفه، مرورا بحشوه بالأكياس وتثبيته، ثم خياطة الثوب، وأخيرا تلبيسه داخل القماش الذي يسمى بالثوب، مؤكدا أن تلك العمليات تتم يدويا في السابق، أما الآن يندف القطن آليا والخياطة آلية، مضيفا أن المادة الأساسية وهي القطن تورد من سوريا، وباكستان، وتركيا، والهند، وطالب الجبر برقابة صارمة من قبل وزارة التجارة حيث يؤكد أن العمالة الآسيوية تتلاعب بالأسعار وتؤثر في السوق بشدة بسبب استخدامها القطن القديم على أنه قطن جديد، ويجب متابعة ذلك من خلال فواتير شراء القطن بتواريخها الجديدة. محمد أحمد المطوع يعمل منذ30 عاما في هذه المهنة الصعبة كما وصفها، يؤكد بأنه على عكس زملائه في هذه الحرفة فإنه لم يورثها حيث لم يكن والده أو أحد من أفراد عائلته ندافا، بل اكتسبها من خلال المزاولة اليومية حين بدأ العمل فيها على ماكينة ندف القطن، مشيرا إلى أنه لم يستخدم آلة الندف اليدوية، لكنه يجيد جميع فنون المهنة التي أصبحت باب رزقه الوحيد، وقال: اختلف العمل في وقتنا الحالي بمهنة ندف القطن عن السابق، وتحولت إلى مهنة يحترفها الآسيويون وتحديدا من الجنسية الهندية، والبنغالية، لافتا إلى أن الهنود هم أصحاب حرفة في وطنهم الهند، لكنه يحتاج إلى تدريب بسيط على المنتجات السعودية، أما البنغالي لابد من تدريبه في أساسيات العمل، أما الشاب السعودي لا يفضل العمل في أحضان القطن وغباره بتاتا بل يهرب منها ولا يفكر إطلاقا أن يدخل هذا المجال، لأنها حرفة يدوية متعبة، كما أن العاملين فيها معرضون للأمراض الصدرية أثناء عملية الندف وتعبئة القطن في الأكياس. من ناحية اقتصادية حدثنا النداف السابق بوعلي وصاحب محل حاليا في هذا الشارع، فقال:»الإقبال على هذه المنتجات كبير جدا والسوق رائجة، وتتراوح الأسعار للمسند الواحد، بين 35، و50 ريالا، والإقبال عليها جيد مقارنة بتوجه الناس للمنتجات الحديثة مثل الكنبات وغيرها، كما أن منتج الطراحة القديم (وهو لحاف محشو بالقطن يتميز بمتانته وقدرته على عزل البرودة) لا يزال صامدا وتكثر عليه الطلبات خصوصا في فصل الشتاء، إضافة إلى المنتجات الأخرى كالمساند والمخدات والبطانيات والدواشق والمراتب والمطارح والفرش ولا يكاد بيت من البيوت يخلو من هذه المنتجات، ويضيف إن الكثير من الأسر الحساوية لا تزال ترغب في شراء المفروشات والأغطية من الندافين بدلا من شراء المفروشات الجاهزة من المحال التجارية الأخرى برغم ارتفاع أسعارها. فيما لم يجد العامل الهندي محمد يعقوب صعوبة في التأقلم على هذه المهنة حيث أكد أن عمله في الهند هو ندف القطن والآلة الموجود حاليا هي صناعة هندية، مشيرا إلى أنه يقوم بجميع الأعمال من ندف وحشو وخياطة وزركشة حسب طلب الزبون وأنه يعمل مقابل أجر شهري، بينما هناك عمالة تعمل باسم الكفيل لكن لحسابها الخاص، لافتا إلى أن هذا الشارع أصبح جزءًا من حياته اليومية التي لن تمحى من ذاكرته حتى وإن رحل لبلاده سترحل معه.