هناك حاجة حقيقية لتأكيد العلاقة بين الجمال وقيم الحق والخير، وذلك للضرورات والمعطيات الآتية: أولا: لنقد مقولة الجمال للجمال التي تشترك في النسق نفسه لمقولة الفن للفن، وحسب هذه المقولة فإن الجمال لا يظهر في أعلى درجاته إلا إذا اعتبرنا أن الجمال للجمال، والتي تعني من وجه آخر أن تذوق الجمال لا يأتي إلا عبر ذوق جمالي لا يخالطه شيء من خارجه، فتحصيل الجمال لا يتحقق إلا عبر الجمال نفسه، وليس عن طريق شيء آخر. وبأي حال من الأحوال لا يمكن الدفاع عن هذه المقولة، والتسليم بها، ومن السهولة نقدها والاعتراض عليها، وذلك لأن اعتبار الجمال للجمال يعني تفريغ الجمال من المحتوى الإنساني والأخلاقي والقيمي وإفقاره من هذه الجهة، وتحويله إلى قيمة حسية غرائزية، لا فاعلية لها ولا تأثير في تهذيب مشاعر وأذواق الإنسان والمجتمع والأمة والعالم. ثانيا: إن ربط الجمال بالحق والخير، هو لتحويل الجمال إلى قيمة إنسانية تكون لها طبيعة مؤثرة على الناس كافة، مهما تنوعت وتعددت ثقافاتهم ومجتمعاتهم، دياناتهم ومذاهبهم، لغاتهم وألسنتهم، أعراقهم وقومياتهم، وفي أي حال كانوا من النواحي المدنية والاقتصادية وغيرها. ومن دون هذا الربط يفقد الجمال أبعاده الإنسانية في القيمة والتأثير والاعتبار، ويتحول إلى مادة قد يختلف عليها الناس في داخل المجتمع الواحد تارة، وبين المجتمعات المتعددة تارة أخرى، بين من يعطيها صفة القيمة المعتبرة، وبين من يسلب منها هذه الصفة. ثالثا: إن الجمال ليس مجرد نزعة ينفصل فيها الشكل عن المضمون، وتتجلى في الشكل بعيدا عن المضمون، أو في المضمون بعيدا عن الشكل، وطالما أثارت هذه القضية جدلا ونقاشا تعددت فيها وتباينت المواقف واتجاهات النظر في ساحة الدراسات الجمالية والفنية والنقدية، بين من يربط الجمال بجانب الشكل ويتبنى النزعة الشكلانية، وبين من يربط الجمال بجانب المضمون ويتبنى النزعة الجمالية من جهة المحتوى والمضمون، إلى جانب من يوازن الربط بين الشكل والمحتوى. مع ملاحظة أن هذه الاتجاهات تدرك في وعيها طبيعة العلاقة بين الشكل والمضمون، لكن حسب طريقتها في الفهم، فالاتجاه الذي يربط الجمال بجانب الشكل يرى أن جمالية الشكل سوف تولد مضمونا جميلا، والاتجاه الذي يربط الجمال بجانب المحتوى يرى أن جمالية المحتوى سوف تولد شكلا جميلا، أو تضفي على شكل مضمونا جميلا. مع ذلك فإن ربط الجمال بالحق والخير، هو الذي بإمكانه أن يوازن بين جمالية الشكل وجمالية المحتوى.. رابعا: إن علاقة الجمال بالحق والخير تتيح لنا إمكانية تقسيم الجمال إلى قسمين، الجمال النظري الناشئ من علاقة الجمال بالحق، والجمال العملي الناشئ من علاقة الجمال بالخير. والجمال النظري يتخذ من الحق غاية وسبيلا، والجمال العملي يتخذ من الخير غاية وسبيلا. لهذه الضرورات والمعطيات ينبغي أن نتمسك بهذه العلاقة بين الجمال والحق والخير، ونحافظ عليها، ونجدد في مضمونها، ونعطيها قوة الفاعلية والتأثير. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 113 مسافة ثم الرسالة