يعد العمران الإنساني من المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، فالشريعة جاءت لعمران الدنيا، وجعلت من العمران تكليفا للإنسان والمجتمع والأمة في هذه الحياة، وطريقا لحفظ الدين وصلاحه، وسبيلا للفلاح في الدنيا والنجاة في الآخرة. ومع ابن خلدون (784 808ه ) تحول العمران الإنساني إلى علم ينتمي إلى المجال الثقافي الإسلامي، واعتبر ابن خلدون نفسه أنه هو الذي وضع أسس هذا العلم، واستوفى مسائله، وميزه عن سائر الصنائع، وحسب قوله: (أعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة، غريب النزعة، عزيز الفائدة، أعثر عليه البحث، وأدى إليه الغوص.. وكأنه علم مستنبط النشأة، ولعمري لم أقف على الكلام في منحاه لأحد من الخليقة، ما أدري ألغفلتهم عن ذلك، وليس الظن بهم؟ أو لعلهم كتبوا في هذا الغرض واستوفوه ولم يصل إلينا؟... ونحن ألهمنا الله إلى ذلك إلهاما، وأعثرنا على علم، فإني كنت قد استوفيت مسائله، وميزت عن سائر الصنائع أنظاره وأنحاءه، ولي الفضل لأني نهجت له السبيل، وأوضحت له الطريق، والله يهدي بنوره من يشاء). وعدت مقدمة ابن خلدون إطارا مرجعيا لعلم العمران الإنساني، وفتحت على الفكر الإسلامي وحقل الدراسات الإسلامية هذا الأفق المعرفي في النظر للظواهر الاجتماعية والإنسانية. وعند النظر في قضايا العمران الإنساني لا بد من التوقف أمام فكرة الجمال، واستحضار هذه الفكرة، فلا يمكن النظر إلى العمران الإنساني بعيدا عن فكرة الجمال، بمعنى أن العمران الإنساني بطبعه وطبيعته ينبغي أن يكون جميلا، وتسري فيه روح الجمال، ولا يمكن أن نتخيل عمرانا ولا يكون جميلا، ولا يسمى عمرانا أساسا إذا لم يكن جميلا. وفي هذا النطاق يمكن تفسير موقف النبي محمد صلى الله عليه وسلم في تغيير مسمى منطقة يثرب عند وصوله إليها مباشرة إلى مسمى المدينة، فهذا التغيير له صلة بفكرة العمران الإنساني، وهي المهمة التي نهض بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم، كما أن هذا التغيير له علاقة بفكرة الجمالية وارتباط هذه الفكرة بالعمران الإنساني. ولعل أهم نظرية يمكن الاستناد عليها في تأكيد العلاقة بين العمران الإنساني وفكرة الجمال، النظرية التي ترى أن (الجمال أصل في البناء الكوني، وأن الكون كله مبني على الجمال، واعتبار أن الإنسان كائن جمالي). واستند أصحاب هذه النظرية على بعض الآيات القرآنية، منها قوله تعالى (الذي أحسن كل شيء خلقه) (سورة السجدة: 7)، وقوله تعالى (بديع السماوات والأرض) (سورة البقرة: 177)، وغيرها من الآيات الأخر.. والشاهد في هذه النظرية، أن كل ما له أصل في البناء الكوني، له علاقة بالعمران الإنساني، فالله تعالى خلق الكون جميلا ليتخذ الناس منه شاهدا وسبيلا في رؤيتهم لبناء العمران الإنساني في مجتمعاتهم وأممهم، وذلك على قاعدة أن الكون ما دام جميلا فلا بد أن يكون العمران الإنساني جميلا أيضا، بشكل يناظر جمال الكون في التناسب والتناسق والإحكام والانسجام، وهذه هي أبرز ملامح وعناصر الجمال. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 113 مسافة ثم الرسالة