أرسل إلي أمس صديق رسالة عزاء بوفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله وضمنها صورة من ورقة التقويم في يوم وفاته. وقد كتب في أسفلها: «أمن الوطن مسؤولية الجميع» فتعجبت جداً من هذه المصادفة التي جاءت فعلا كأنها وصية لهذا الرجل العظيم.. وجعلني هذا أفكر بصورة منهجية في أعماله وإنجازاته، فرأيت أن الفقيد رحمه الله قد قضى سنين طوالا في هذه البلاد الكريمة في موقع من أهم المواقع وهو وزارة الداخلية ولسنوات طويلة جداً وهو ما يكفي لتكوين مدرسة منهجية ومؤسسة منظمة للأمن في المملكة العربية السعودية. وفي تصوري أن جهود الأمير الفقيد عليه رحمة الله ينبغي أن تدرس وتحلل.. لأنها في تصوري منظومة فكرية صنعت فلسفة لأمن هذا الوطن، وربما كان من أبرز جوانب هذه الفلسفة هو أنه كان يقول بالضبط ما جاء في ورقة التقويم السالفة الذكر : «أمن الوطن مسؤولية الجميع»، وهذا يعني أن كل مواطن مسؤول مسؤولية عينية عن أمن هذه البلاد وسلامتها. ومن استعرض جهود الراحل رحمه الله عرف نظرته وفلسفته الشمولية للأمن في المملكة بما يتناسب مع طبيعة شعبها ورصيده الديني وثقافته العربية. فالحرب على الإرهاب مثلاً قام بها متتبعاً للمفسدين وما لديهم من وسائل وأسلحة، وفوق ذلك تتبعها فكرياً، فأسس محاضن للإصلاح والتقويم لإرجاع الضال وهداية التائه المفارق للجماعة.. وأخذ المذنب بذنبه دون تبعات أخرى وتعقيدات ومشكلات تلحق أهله وأبناءه هي من مفاخر هذا الوطن الحبيب التي نعتز بها، ومن بركات تطبيقه لشريعه الله العادلة. وهي إشارة إلى أن الشر هو الأقل والخير هو الأكثر في هذا المجتمع، وتأكيد أن طريق الخير والإحسان مفتوح ومبذول لمن أراده. وتعزيز الفقيد رحمه الله للجانب الديني من رجال الحسبة في مجتمع المملكة إدراك منه لأهمية العقيدة والدين في إصلاح المجتمع، ومعرفة ثاقبة بأن الدين والتمسك بالإسلام الحنيف من أهم أسباب الأمن في المجتمع والوطن، وأن إهمال الوعي الديني والتذكير بالمعروف بالتي هي أحسن هو من أسباب انقلاب المجتمعات. ودعمه رحمه الله للسنة النبوية المباركة رجوع إلى المنبع الأصيل الصافي، وهو سنة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم؛ وهو إبراز وتذكير للجيل الجديد بالقدوة العظمى وسماحته وتواضعه وصفحه وحسن أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم، والرقي بمستوى رجل الأمن السعودي تعليمياً واجتماعياً ليكون شخصاً محبوباً يعرف الجميع أنه موجود لخدمتهم ولمساعدتهم هو من أهم أسباب بناء الثقة بين المواطن وجهاز الأمن. ومن نتيجة هذا الإحساس بالقرب من رجل الأمن أن يفهم المواطن ويدرك أنه شريكه في المسؤولية.. وما هذه الكلية الأمنية التي تحمل اسمه إلا دليل على اهتمامه بهذا الجانب ورعايته له، وهذا بعد نظر وثاقب معرفة منه رحمه الله وغفر له. عزاؤنا لك يا والد الجميع يا خادم الحرمين الشريفين ولأنفسنا من بعدك.. ولتعلم حفظك الله أن كل شخص منا هو ابن هذه البلاد أو بنتها، وواقف على نقب من أنقابها وثغر من ثغورها.. وكلنا نايف هذه المملكة؛ لأننا إن فهمنا فلسفة نايف، وفكر نايف، ومقاصد نايف.. فيجب أن نعد أنفسنا لحماية ديننا وحماية هذه البلاد والذود عنها جسداً وفكراً، وأن نربي أبناءنا وبناتنا على ذلك، وأن نقف موقف الحذر والشك والصد من أولئك المرجفين والتافهين والمغرضين والمزايدين في كل مكان، وأن نعرف لديننا حقه ولوطننا حقه؛ فأمن بلادنا ومستقبل أبنائنا خندق يجب أن نقف فيه كلنا.. كما أوصانا فارسنا الهمام الذي ترجل..كما أوصى نايف رحمه الله. * المدير العام للمركز الثقافي الإسلامي في لندن