ليست هي المرة الأولى التي أكتب فيها عن التدخين ومضاره، ولن تكون الأخيرة طالما أقدر على الإمساك بالقلم، فالذكرى تنفع المؤمنين والعاقلين، وأمثالنا مأمورون بالنصيحة والإرشاد، وإن لم يكن بأيدينا سلطة التنفيذ. هناك مجموعة من التقارير الإحصائية، بل والتقارير والدراسات العلمية الحديثة، قامت بها منظمة الصحة العالمية ومراكز مكافحة التدخين والجمعيات الأهلية، كشفت أن التدخين يعد من أكبر الكوارث الصحية التي تنال من الإنسان على وجه الأرض، وأنه من أهم العوامل المؤدية إلى الوفاة المبكرة، بل ويأتي على قائمة مسببات الأمراض والوفيات التي يمكن تجنب حدوثها والوقاية منها. لقد أشار تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2008 إلى أن عدد المدخنين في العالم يبلغ أكثر من 1.3 مليار، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.7 مليار بحلول عام 2025، إذا استمرت معدلات التدخين على ما هي عليه في الوقت الحالي، هذا بالطبع لا يتضمن عدد المدخنين سلبيا، وأعني بهم هؤلاء الذين تدخل إلى رئاتهم وصدورهم أدخنة السجاير وأخواتها من الشيشة ونحوها رغم أنوفهم، نتيجة تواجدهم بين المدخنين في العمل أو في الأسواق. ويتسبب التدخين في عشر حالات الوفاة بين البالغين في شتى أنحاء العالم، إذ يبلغ عدد الوفيات من الأمراض الناتجة عن التدخين حوالى 5.4 مليون شخص سنويا، بمعدل حالة وفاة كل ست ثوان، وهذا العدد يزيد على من يموتون نتيجة أمراض السل والإيدز والملاريا، بل ومن المتوقع أن تصل حالات الوفاة نتيجة التدخين إلى نحو ثمانية ملايين بحلول عام 2030، ومن الطبيعي أن يكون نصيب الدول النامية من هذه الوفيات كبيرا، حيث يصل إلى 80 %، وذلك نتيجة الجهل، وعدم التوعية، وقصور العلاج. الأرقام مخيفة بحق، ولعلها تكون بمثابة إنذار للمدخنين الذين يسعون جاهدين لقتل أنفسهم، وهذا حرام شرعا، وإيذاء الآخرين، وهذا أيضا حرام شرعا. ونسبة المدخنين في بلادنا مرتفعة للغاية، وإن كنت لا أملك إحصاءات رسمية، إلا أنني أحكم في هذا بناء على «المشاهدة» اليومية، واحتكاكي بالناس، وأذكر أنني كتبت من قبل عن انتقال داء التدخين اللعين إلى صنوف النساء اللاتي يعتبر البعض منهن أن التدخين من متطلبات «الوجاهة» وضرورات العصر الحديث، مع أنهن ربما لا يدركن أن خطورة التدخين على الحوامل من النساء أشد وأنكى، لأن التدخين ضار بالأم، وضار بالأجنة. ليس ثمة فائدة واحدة يمكن أن نجدها في التدخين، ومن يظن أن التدخين يُهدئ من انفعالاته، أو يحقق له نوعا من المواساة والتسلية، فهو مخدوع تماما، وحتى لو فرضنا جدلا وجود فائدة واحدة ما، فضرر التدخين أكبر من فائدته، وقد حرم الإسلام الخمر، لغلبة ضررها على نفعها، ولا يحرم الشرع شيئا إلا وكان في التحريم مصلحة للإنسان، والمصلحة يعرفها جيدا من خلق هذا الكائن، مصداقا لقوله تعالى «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير». إن الله يزع بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن، فإذا كان المدخنون لا يستجيبون لنداء الشرع في تحريم كل ما يضر بصحة الإنسان، فإنهم بلا شك سيعملون ألف حساب للقوانين الصادرة من الحكومة من أجل منع التدخين، ولذلك مطلوب إصدار المزيد من القوانين وتفعيل ما هو قائم بالفعل، بل والحرص الشديد على تطبيق العقوبات في حق المدخنين، لأنهم بهذا السلوك يؤذون أنفسهم ويوردونها موارد التهلكة، ويؤذون الآخرين الأبرياء الذين لا يدخنون، ناهيك عما يسببه التدخين من تلوث البيئة. منع التدخين في المصالح والمؤسسات والهيئات ووسائل النقل والمدارس والجامعات أمر ضروري للغاية، وفرض العقوبات الرادعة على المدخنين أمر مرغوب فيه ومحمود، واعتبار مكة والمدينة مدينتين خاليتين من التدخين مسألة مهمة وملحة، وفرض الجمارك والضرائب على الواردات من الدخان فيه فوائد عديدة للعباد والبلاد. تلك خواطري في ذكرى احتفال العالم باليوم العالمي لمكافحة التدخين، ولن أكل ولن أمل من الكتابة في هذا الموضوع، محذرا وناصحا، ولعل من حقي كإنسان أن أعيش في بيئة نظيفة خالية من السموم التي تستنزف من الأفراد والحكومة المليارات لمعالجة آثارها السلبية. وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة