أدى انفصال ملكية شركات المساهمة عن إداراتها واختلاف اهتمامات وأهداف الملاك عن المديرين، على الأقل من الناحية النظرية، إلى ضرورة إيجاد نظام داخلي رقابي يتيح لحملة الأسهم المشاركة في صنع واتخاذ القرارات الداخلية المحورية لمثل هذا النوع من الشركات. فكانت الشركات قديماً تبتكر بعض الأنظمة الشكلية الاجتهادية بتشجيع من أنظمة الشركات الرسمية يتم من خلالها مشاركة حملة الأسهم في اتخاذ بعض القرارات الرقابية وذلك من أجل كسب ثقة المستثمرين الحاليين أو جذب مستثمرين جدد. ولكن بعد تضاعف عدد الشركات المساهمة وزيادة سيولة أسهمها من خلال سهولة تداولها وبالتالي سرعة تدوير ملكيتها بين المستثمرين والمضاربين، وأيضاً بعد ظهور بعض حالات الإفلاس الناتجة عن الفساد الداخلي كمحصلة لغياب أنظمة الرقابة الداخلية، ظهرت الحاجة إلى إيجاد نظام موحد لحوكمة الشركات (ملزم في دول وشبه ملزم في دول أخرى) يتم من خلاله إجبار الشركات على تأسيس أجهزة رقابية داخلية ذات مواصفات محددة وتشجيع حملة الأسهم على المشاركة في تفعيل تلك الأجهزة عن طريق ترشيح ممثلين لهم لشغلها. نظرياً، يتحمل الملاك تكلفة من خلال تأسيس وتفعيل مثل هذه الأجهزة الداخلية تسمى تكاليف الوكالة، ولكنهم يتوقعون فوائد ووفورات ناتجة عن هذا النظام تفوق تلك التكاليف. فمثلاً يندرج تحت تكاليف الوكالة هذه الأعباء المالية الناتجة عن استقطاب كفاءات خارجية مؤهلة وخبيرة في صنع واتخاذ القرارات الرقابية والادارية، وتتباين تلك الأعباء المالية باختلاف تعقيدات الصناعة وندرة المؤهلين فيها، وذلك لتمثيل الملاك كأعضاء مستقلين في مجالس الإدارات واللجان الفرعية الداخلية، ولكن في نفس الوقت يتعامل حملة الأسهم مع تلك التكاليف كاستثمار من شأنه حماية مصالحهم في المنشأة وتجنيبهم الخسائر الرأسمالية الناتجة عن غياب الرقابة الداخلية وبالتالي عدم فسح المجال للمديرين التنفيذيين لاستغلال أصول المنشأة لخدمة أهدافهم الشخصية، أو من ناحية أخرى كاستثمار من شأنه أن يجلب المصلحة لاستثماراتهم من خلال جلب كفاءات خارجية خبيرة في مجال المنشأه الصناعي أو التجاري مما يضيف عمقا أكبر للقرارات الإدارية ويقلل مخاطرها. ولكن يبقى السؤال هو هل تقوم أدوات الحوكمة الحالية بتلك الأدوار فعلياً على أرض الواقع؟ * أستاذ المحاسبة وحوكمة الشركات المساعد – جامعة أم القرى