استطاع الشاعر السوري أدونيس منذ قدومه إلى بيروت قبل خمسة عقود ونصف، ومنذ انضمامه إلى أسرة مجلة «شعر» في الوقت ذاته، أن يشكل محورا أساسيا من محاور الحياة الثقافية العربية، وأن تثير مواقفه من العواصف والترددات ما لم تثره مواقف كثيرة مماثلة لأترابه الشعراء. وإذا كانت هذه الزاوية الضيقة لا تسمح بتعليل الظاهرة والوقوف عند تفاصيلها فإن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى أبرز العوامل التي حققت لصاحب « أغاني مهيار الدمشقي » هذه المكانة الخاصة في إطار حركة الحداثة الشعرية العربية. من البديهي أن تكون الموهبة الفطرية المتوقدة هي في طليعة هذه العوامل، ولكنها ليست كافية وحدها لرفد صاحبها بأسباب النجومية والشهرة، خاصة أن الكثيرين لا يتفاعلون مع ما يعتبرونه نزوع أدونيس إلى التجريد الذهني والاحتفاء المفرط باللغة وتغليب الفكري على العاطفي والغنائي في ما يكتبه من قصائد. والأرجح أن مكانة الشاعر لم تتغذ من الشعر وحده بل من كتاباته الفكرية والنقدية الجريئة التي استطاعت أن تجذب إليها أرتال المعترضين على أنظمة القمع والاستبداد وعلى التقاليد البالية والرثة في غير مكان من العالم العربي. وإضافة إلى الاسم المتصل بالأساطير الشرقية الذي اختاره علي أحمد سعيد لنفسه في محاولة للتماهي مع الأسطورة الأم فقد حرص الشاعر باستمرار على إطلاق مواقف إشكالية ومثيرة للبلبلة بين حين وآخر، كتلك المتعلقة بالإسلام وعلاقة الدين بالاجتماع الأهلي أو اعتبار العرب أمة آيلة إلى الخروج النهائي من التاريخ، أو اعتبار بيروت مدينة «من الماضي» وثمة مواقف وآراء متعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي أثارت في حينها حفيظة اتحاد الكتاب العرب في سوريا ودفعت بأمينه العام علي عقلة عرسان إلى طرد أدونيس من عضوية الاتحاد بداعي التطبيع مع إسرائيل.. إن من المفارقة بمكان أن يعيد التاريخ نفسه وإن بشكل مغاير، فقبل سبعة عشر عاما طرد أدونيس من «جنة» الاتحاد التابع للنظام السوري ليس بسبب موقفه الملتبس مع التطبيع بل لأنه لم يقبل الانضواء تحت راية النظام وعباءته. واليوم تطلق على مواقع «التواصل» الاجتماعي دعوات لقتل «الشبيح المجرم» الذي تكنى باسم إله وثني، على حد ما جاء في البيان، ومن الموقع المقابل للنظام الحاكم هكذا بات الشاعر مرذولا من الطرفين معا، فيما الدعوات إلى اغتياله الجسدي أو المعنوي تتوزع بشكل عادل بين المعارضة والموالاة. ورغم تحفظي الشخصي على العديد من مواقف أدونيس السياسية والفكرية وبخاصة موقفه الأخير من الثورة السورية، فإن أي مثقف نزيه لابد أن يقف بحزم ضد دعوات التكفير والتخوين وهدر دم الشعراء والكتاب على مواقفهم، وخاصة إذا كانت لهم قامة أدونيس ومكانته.