اعتاد الناس النفور من الكذب، ورمي الكذاب بصفات الخداع والنذالة، فهل يعقل أن يوجد من يحب الكذب فيطلب أن يكذب عليه؟ إن هذا ما تقوله كلمات أغنية (آشلي تيسدال)، (tel me lies, little sweet lies) (اكذب علي، كذبات صغيرة حلوة). هذه الأغنية الجميلة تلقيتها على إيميلي هدية من صديقة عزيزة، فتوقفت عندها، شدتني كلماتها، رحت أتخيل ما عساها أن تكون هذه الكذبات الصغيرة الحلوة التي يسعد بها القلب حتى وإن أيقن أنها مجرد كذبات!! الكذبات الصغيرة الحلوة كثيرة كأن تقول: (سأبقى معك إلى الأبد) (أنت أول حب وآخر حب)، (لن أتخلى عنك أبدا)، (تبدين في براءة العذراء)، (ابتسامتك أكثر سحرا من الموناليزا) (لا أحد عندي أغلى منك)، (لايشغل تفكيري أحد غيرك)، الكذبات الصغيرة الحلوة كثيرة، طعمها لذيذ يغرينا بطلب الاستزادة منها والغرق في بحر عذوبتها مهما حذرنا العقل وأمرنا بعدم تصديقها، تثملنا عذوبتها فيتخدر الإحساس فينا، نسلم لها القياد ونتركها تتسلل إلى أعماق روحنا تدغدغ المشاعر وتهدهد الخيال فننتشي باحتساء الكذبات الصغيرة الحلوة كذبة كذبة!! فيروز مثل آشلي لاتخفي رغبتها في تلقي الكذبات الصغيرة الحلوة، لذلك هي أيضا تطلب من الحبيب أن يكذب عليها: (تعا ولا تجي، واكدوب علي، الكذب مش خطية، اوعدني انو رح تجي، وتعا ولا تجي). فيروز بعقلها تعرف إنه يكذب ولن يأتي لكنها مع ذلك يسعدها أن يكذب عليها وأن يدعي أنه سيجيء وإن لم يفعل، كذبته تلك تجعلها تعيش في وهم إنكار الحقيقة فتغرق في جمال الترقب الزائف. الكذبات الصغيرة الحلوة، تنقلنا من عالم واقع لانحبه إلى عالم يسعدنا كل ما فيه، عالم الرغبات الهائمة، عالم لا يعرف القيد، عالم ليس فيه سوى الحرية، بإمكانك أن تختار فيه ما تشاء وأن تفعل ما تشاء وأن تقول ما تشاء، عالم بإمكانك أن تقتلع منه كل صور الكدر والألم فلا تبقي فيه سوى ما يبهج من صور الجمال والحب والرضا، عالم يحل فيه قلبك المحترق بالمرارة والحزن فيجد عنده جنة مأوى تخلصه من أوضاره وتلتئم في نعيمها جروحه وتستكين نبضاته. الكذبات الصغيرة الحلوة تجعلك تعيش أوقاتا من الأمل والتطلعات والترقب فتنتعش روحك الهامدة وترتوي شرايينك بدماء الرضا تسري دافئة تحت جلدك، فيعود الوميض إلى عينيك وقد امتزج فيهما ملح دمعك بحلاوة الكذب. الكذبات الصغيرة الحلوة ملاذ ينقذنا من وقع الألم، يخفف من ثقل ضغط الحقيقة على صدورنا، في بعض المرات حين نتلقى أخبارا لا تسرنا، تكون أول ردة فعل لنا هي تكذيب ما سمعناه، نريد إيهام أنفسنا أن ما نقل إلينا من سيئ الأخبار غير صادق وأنه لم يقع، نحن نعلم في قرارة أنفسنا أننا نخدع أنفسنا لكن مع ذلك نظل نبحث عن الكذب نجد في زيفه ما يرضينا ويحمل راحة لنا نتخفف بها من قسوة الصدق. فاكس 4555382-1