بينما كنت في إحدى الرحلات الجوية، وفي أثناء توزيع الصحف، بدأت بتناول صحيفة محلية، فلفت انتباهي مقال يكتبه باحث في الشؤون الإسلامية عن حقيقة الشعر الجاهلي، حيث أنكر الباحث وجوده وطريقة وصوله إلينا، وخصوصا المعلقات وتعليقها على أستار الكعبة، وبين الباحث أن الشعر الجاهلي لا حقيقة له أصلا، وإنما كتب بعد القرن الثالث الهجري، معللا أن أصحاب الكتب القديمة لم يتعرضوا له في كتبهم أمثال أبي الفرج الأصفهاني، ثم يذكر أن هذا الشعر لا يمثل حياة العرب الجاهلية، حيث لم يذكر آلهتهم واختلاطهم بالأمم الأخرى، كما شكك في لغاتهم ولهجاتهم، وذهب إلى ما ذهب إليه بعض المستشرقين كمرجليوث وبروكلمان ونولدكه، وكذلك ماذهب إليه الأستاذ طه حسين، فجميعهم شكك في وجود الشعر الجاهلي، وللأسف أن الباحث متخصص في الشؤون الإسلامية، فجال في نفسي هذا المقال سريعا لتوضيح حقيقة الشعر الجاهلي من خلال كتب التراث وكتب المحدثين والمنصفين، فأبدأ بوجود الشعر الجاهلي، لأنه حقيقة موجودة منذ زمن الجاهلية إلى نهاية القرن الثاني والثالث وظهور الكتابة، حيث نقل عن طريق الثقات والعلماء والشعراء والقبائل نقلا متواترا يرويه أكثر من عالم وراوية وشاعر حتى وصل إلينا، فلو نظرنا إلى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين لوجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع الشعر ويستجيده حيث سمع من رجل من ثقيف شعر أمية بن الصلت حتى وصل إلى مائة قافية. أما زمن الخلافة الراشدة فقد كان أبو بكر الصديق عالماً بأنساب العرب وأيامها وأخبارها وأشعارها، وعمر بن الخطاب الذي أعجب بشعر زهير بن أبي سلمى، وعائشة رضي الله عنها التي كانت تقول عن نفسها: وإني لأحفظ ألف بيت للبيد. * عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز.