منذ الصغر يحرص المعلمون على تعليم طلابهم سلامة مخارج الحروف ويبدو أن على المسؤولين الآن تعلم سلامة تلك المخارج مع الفارق بين المقصدين في التعلم. فتعلم ضبط النفس والقضم على اللسان من المهمات الأساسية لأي مسؤول وعليه إجادتهما قبل أن يتفوه بكلمة على مسامع المراجعين فالتقنية الحديثة تعمل الآن كمخبر يقظ ينقل كل السكنات والأحرف الخارجة من فم المسؤول حرفيا وقد تحولت (الجوالات) إلى راصد ومراقب ودليل إدانة لضيق الصدور في النفوس. وخلال السنتين الماضيتين (كبت) تلك الألسنة أصحابها على وجوههم وأخرجتهم من مناصبهم عنوة بسبب انفلات ألفاظهم وعدم مراعاتها لاحتياجات المواطنين بسبب اعتياد أولئك المسؤولين على نمط سلوكي تفاعلي جرت عليه العادة ولم يتنبهوا إلى المخبر الناقل لكل عجرفتهم. وضيق الصدر لم يعد ملائما مع الزمن المفتوح الذي يطير بالهمسة إلى أرجاء المعمورة كإدانة مثبتة. وبين الحين والآخر تنقل لنا التقنية الحديثة مواجهات لاختبار اتساع أو ضيق الصدر لدى المسؤولين وكان آخرها تلقي طالب في إحدى كليات الهندسة توبيخا من مسؤول بجملة (اقلب وجهك). وكم قيلت هذه الجملة سابقا لمئات المراجعين والمحتاجين ولم تكن بها غضاضة لأن شاهد الإثبات لم يكن متواجدا وكان الحل أمام المواطنين أن تجد يوميا (المشالح) محمولة أو على الاكتاف والركض إلى الديوان أو الإمارة للشكوى من تأخر معاملة هذا المواطن أو ذاك، ولم يحدث هذا إلا بسبب احتجاب المسؤول هنا أو هناك أو تعنته أو المطالبة بجملة (راجعنا بكرة) ..كثير من الجمل عليها أن تدخل إلى الإرشيف واستبدالها بطرق ووسائل تريح المواطن وتتلاءم مع العصر، ولو أن إداراتنا قفزت قفزات مماثلة للتقنية لما احتجنا رؤية وجه أي مسؤول ولما اضطررنا إلى تلقي رذاذ غضبه فجل الدول القادرة ماليا والمؤسسة تقنيا انتهت من جلب المواطن من ياقة ثوبه لمتابعة معاملاته حيث ينتهي كل شيء من خلال النت ولأننا نمتلك أحدث التقنيات ولا نعرف كيف تحقق رفاهية المواطن تحولت تلك التقنية إلى معطل بدلا من الإنجاز. ولأننا بقينا في خانة (راجع المسؤول) قمنا باستخدام التقنية كدليل إدانة على تباطؤ تلك الإدارات ونفرة أولئك المسؤولين الذين نوصيهم فعلا بتعلم (مخارج الأحرف) فالآن وبعد صدور الأمر الملكي بتحفيز المسؤولين على تخصيص ثلاثة أيام (على الأقل) من أجل مواجهة المواطنين وحل قضاياهم المعلقة بسبب سياسة الباب المغلق سيجعل الأقبال على تعلم (مخارج الأحرف) مسألة في غاية الأهمية فلم يعد بإمكان المسؤول رمي معاملتك أو شق وجهك بصرخة غضب أو طردك أو اختصار معضلة ضيق صدره بمخاطبتك: اقلب وجهك. ولا أقول إن أصحاب الصدور الضيقة سيتلاشون لكن ستكثر مقاطع اليوتيوب وترينا المسؤول الذي لم يدخل إلى مدرسة ليتعلم كيف تكون عليه مخارج الأحرف مهما وضع في اختبار قاس لمعرفة سعة أو ضيق صدره. وكل الخوف أن يتم توظيف حراس مهمتهم سلبنا (جوالاتنا) قبل رؤية وجه المسؤول الذي لم يتعلم مخارج الحروف وهو الذي علينا تدبر الوسائل لتهريب الجوالات قبل الوصول إلى المسؤول لأننا بحاجة ماسة لتلك المقاطع فمع غياب السينما لدينا تحولت مقاطع اليوتيوب إلى أفلام يومية يشاهدها الفرد منا من غير الحاجة إلى إجازتها أو منعها أو اختيار المخرج أو الممثلين ..فاليوتيوب شاشتنا التي تزودنا بالمقاطع التي تحدث خلف الأبواب المغلقة.