أكد الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية أن جل اهتمام القادة وصناع القرار والمفكرين في دول مجلس التعاون هو البحث في كيفية مواجهة التحديات الراهنة والمستجدات على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتأثيراتها على دول الخليج وشعوبه، لأن تصعيد المواجهة بين إيران والمجتمع الدولي حول برنامجها النووي، واستفزازها المستمر لدول مجلس التعاون على نحو خاص واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني إضافة إلى تداعيات ما تمر به العديد من دول المنطقة من تغييرات سياسية واسعة في إطار ما أصبح يعرف ب«الربيع العربي»، كل هذه المستجدات تستدعي منا وقفة للتأمل وإرادة صلبة للتعامل معها حفاظا على مصلحة الخليج المشتركة ووحدة أراضي دوله وسلامتها الإقليمية والسلم المدني واستقرارها ونموها. وأشار الفيصل في كلمته التي ألقاها نيابة عنه الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز نائب وزير الخارجية لدى افتتاح مؤتمر الشباب الخليجي أمس في الرياض إلى أن مصادر الأزمات قد تشعبت بصورة كبيرة ، فظهرت على الساحة الدولية العديد من الظواهر والعوامل الدولية مثل الإرهاب، والتلوث البيئي، والاحتباس الحراري، والأمراض الوبائية، والأزمات الاقتصادية، التي تتطلب عملا جماعيا مشتركا لمواجهتها. وأصبحنا في ظل هذه الظواهر نشهد أشكالا جديدة من الصراعات وأنماطا مستجدة من المواجهات إضافة إلى أساليب الصراع التقليدي بين الدول، والذي مازال، حاضرا مع استمرار بعض الدول في السعي إلى فرض هيمنتها ونفوذها، على الدول الأخرى والتدخل في شؤونها، متجاهلة بذلك مبادئ القانون الدولي، ومطالبات المجتمع الدولي الداعية للتعايش السلمي، والتعاون البناء بين جميع أفراد الأسرة الدولية، ومتجاهلة أن الأمن والاستقرار لا يتحققان بطرق التدخل وأساليب الهيمنة أو السيطرة، أو تبني منهج القوة والتهديد. وجميع هذه التهديدات بأنواعها تستدعي العمل الجاد من قبل دول مجلس التعاون الخليجي للتحول من صيغة التعاون الحالية إلى صيغة اتحادية مقبولة لدى الدول الست تكفل لها الأمن والاستقرار ومتانة الاقتصاد. ولهذا فإن التعاون والتنسيق بين دول المجلس بصيغته الحالية قد لا يكفي لمواجهة التحديات القائمة والقادمة، مما يستوجب تطوير العمل الخليجي المشترك لصيغة اتحادية مقبولة باعتباره السبيل الوحيد لمواجهة الأزمات بصورة فعالة ومؤثرة، كما أنه الوسيلة الأنجع لتحقيق أهداف دول المجلس في التنمية المستدامة والرفاه والاستقرار لشعوبها، والضمانة الأفضل لعدم تكرار مثل هذه الأزمات في المستقبل لأن العالم اليوم أصبح وبصورة واضحة لا تقبل التجاهل قرية كونية مترابطة، يتأثر كل جزء منها بما يحصل في الأجزاء الأخرى. وأوضح وزير الخارجية أنه وفي خضم ما يحيط بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من تطورات وتحولات وأخطار تهدد استقرارها وأمنها ومكتسباتها، فقد أدركت المملكة العربية السعودية أهمية التحول من صيغة التعاون إلى الاتحاد، وهي مبادرة الاتحاد التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته الافتتاحية أمام قمة مجلس التعاون الخليجي الثانية والثلاثين بالرياض (ديسمبر 2011)، والتي قال فيها مخاطبا قادة دول المجلس: «أطلب منكم اليوم أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد يحقق الخير ويدفع الشر»، مضيفا: «لقد علمنا التاريخ، وعلمتنا التجارب ألا نقف ونقول اكتفينا، ومن يفعل ذلك سيجد نفسه في آخر القافلة وسيواجه الضياع، وهذا أمر لا نقبله جميعا لأوطاننا واستقرارنا، مبينا «أن تلك الدعوة قد اكتسبت أهمية بالغة ليس فقط لكونها صدرت من قيادة لها ثقل ووزن ومكانة خادم الحرمين الشريفين، بل ولما صاحب هذه الدعوة المخلصة من تجاوب وتفاعل من قبل قادة دول الخليج العربية لهذه المبادرة التاريخية وما تحمله في ثناياها من الرغبة الصادقة لنقل العمل الخليجي المشترك إلى سياق آخر أكثر تماسكا وتأثيرا مؤكدا أن التحول إلى وضعية الاتحاد من شأنه أن يمنح مسيرة العمل الخليجي زخما أكبر، ويعطي دول مجلس التعاون الخليجي ثقلا أكبر ومكانة تتوازى مع ما لديها من مقومات القوة الناعمة والإمكانات المادية والجيو استراتيجية الهامة، مشيرا في حديثه لشباب وشابات الخليج إلى أن الاتحاد الخليجي في حالة تحققه بإذن الله سيفضي لمكاسب كبيرة تعود بالنفع على شعوبنا، ففي مجال السياسة الخارجية ومع وجود هيئة عليا خليجية تنسق قرارات السياسة الخارجية من شأنه إعادة ترتيب جماعي لأولويات هذه الدول، وهو ما يحقق مصالحها الجماعية، وفي حال تفاوض دول الخليج العربية الست بشكل جماعي مع دول أخرى في إطار اتحادي من شأنه أن يعزز القوة التفاوضية لدولنا على نحو لا يمكن أن يوفره التحرك الفردي المجرد من أدوات الضغط الجماعي، كما أن الاتحاد يحقق تكاملا دفاعيا يشكل الضمانة الرئيسة لأمن دول الخليج العربية كبديل عن السياسات الدفاعية المرتكزة على التحالفات الوقتية المبنية على المصالح العابرة إذ تظل تلك التحالفات مرتبطة بهذه المصالح المتغيره بطبيعتها مبينا أنه في ظل مواجهة دول مجلس التعاون الخليجي أخطارا غير مسبوقة ليس أقلها ظاهرة الإرهاب، فإن التكامل الدفاعي سوف يكون مقدمة للتنسيق الأمني وما يستدعيه من تطوير للمؤسسات الأمنية الخليجية. واستطرد قائلا: إن اتحادا من النوع المنشود سيجعل من دول الخليج العربية كتلة اقتصادية قوية، بناتج محلي إجمالي بلغ عام 2011 أكثر من 1.4 تريليون دولار، مما يعني أن الاقتصاد الخليجي يمثل أكثر من نصف الاقتصاد العربي ككل. وتمتلك دول مجلس التعاون الخليجي نحو 630 بليون دولار من الاحتياطي النقدي الرسمي، ونحو تريليوني دولار من الاستثمارات الخارجية تشمل موجودات الصناديق السيادية وسيصبح عدد سكان الاتحاد الخليجي (من دون الأجانب) 27 مليون نسمة مشيرا إلى أن تلك المزايا سيكون مردودها قويا في كافة المجالات. ونبه الفيصل لما أثبتته مختلف الدراسات الاجتماعية بأن مستقبل أي وطن أو مجتمع، يكون نابعا من طاقات عناصره الشابة لأنهم الركن الأساس الذي ينبغي أن تعتمد عليه المجتمعات في تنميتها وتطورها وحفظ أمنها واستقرارها وسعيها نحو الأفضل، لأن مرحلة الشباب ذات طبيعة نشطة في كافة المجالات، وخاصة لدى الجيل الناشئ فنجد لديهم حب المشاركة وإثبات الذات والرغبة في إبراز قدراتهم في العمل الجماعي والوطني، لذلك ينبغي تشجيعهم وتحفيزهم وتذليل الصعاب التي تعيق من تطوير مهاراتهم وقدراتهم، وحثهم وتهيئة الفرص لهم للمشاركة في مختلف المجالات التنموية والمساهمة في الشأن العام، وتنمية مجتمعاتهم على كافة المستويات مشددا على أن الشباب الخليجي أثبت قدرته ومنافسته لشباب الدول المتقدمة في كثير من المجالات، وأكد قدرته على تحمل المسؤولية والقيادة والإسهام في التنمية والأمن والاستقرار معربا عن فخره كون أكثر من 65 % من إجمالي سكان الخليج تقل أعمارهم عن 30 سنة الأمر الذي سيسهل من مهمة التطوير والإنتاج وبناء أوطاننا بما يخدم شعوبنا ومجتمعاتنا في نقله من مرحلة التعاون إلى مرحلة التكامل والاتحاد بفضل ما يتسلح به الشباب من موهبة وإبداع وحب للأوطان. وكان مؤتمر شباب الخليج قد انطلق أمس بحضور الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز نائب وزير الخارجية وعبداللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي ونخب سياسية وأكاديمية وشباب وشابات من دول الخليج الست.