دعا باحثون شرعيون إلى نشر الثقافة الجنسية الرشيدة لتصحيح بعض المفاهيم والممارسات الخاطئة التي تصدر من فئة من أفراد المجتمع، خاصة أن تعلمها يقود إلى الاستقرار الأسري، بعد أن أثبتت البحوث الاجتماعية الحديثة أن غياب (الثقافة الجنسية) هو أحد الأسباب الخفية للمشكلات التي تعاني منها بعض الأسر في المجتمع. ويرى الباحث الشرعي عادل الخوفي أن المتخوفين من نشر هذه الثقافة يحتجون بخلق (الحياء)، فيمنعون تناول هذه الأمور في وسائل الإعلام وفي المراكز الاجتماعية والتوعوية، مشيرا إلى أن هؤلاء يعيشون في زمان غير زماننا، ومؤكدا أن أي شاب الآن يتلقى قدرا كبيرا من المعلومات (غير الصحيحة) بواسطة وسائله الخاصة من إنترنت أو بلوتوث أو غير ذلك من الوسائل التي تظهر بين الحين والآخر، وأنه من الواجب علينا كمربين أن نعطي المعلومات الصحيحة بدل أن ندع شبابنا يخوض في الممنوعات لكي يكتسب المعلومات التي ينبغي عليه أن يعلمها لتكوين الأسرة وكيفية التعامل الجسدي مع زوجته، لكنه يوضح أن إشاعة التثقيف لا يعني التعدي على الحياء إنما يجب أن نصحح مفهومنا للحياء، موضحا أن الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم حول أكثر الشؤون الأسرية حساسية، وكان يجيب عليها صلى الله عليه وسلم بصراحة تامة، مشيرا إلى أننا لن نكون أكثر حياء من الصحابة، بيد أنهم يفهمون الحياء بشكله الصحيح فيما تم تحريف هذه القيمة من حياتنا بحيث أصبحنا نفهم الحياء بشكل معاكس لما كان عليه أمر السلف الصالح. ضرورة شرعية ومع أن الداعية طارق الحواس يؤكد أن المجتمع يمكن أن يتقبل فكرة نشر الثقافة الجنسية في حال تولتها مجموعة من الجهات الموثوقة في دينها، إلا أن الاختصاصية الاجتماعية الدكنورة حصة السهلي ترى أنها مطلب حضاري وشرعي في الوقت الراهن، بل اعتبرتها ضرورة شرعية للآباء والأبناء في وقت سادت فيه ثقافات أخرى تضارب محتواها مع المحتوى الشرعي، إلى ذلك يرى الباحث عادل الخوفي أن المشكلات التي تصل إلى مراكز الاستشارات الأسرية جعلتهم على يقين بأن نشر هذه الثقافة في المجتمع هو أمر صحي وضروري لحفظ كيان الأسر، لكنه يحذر من بعض الوسائل التي قد تستغل الموضوع وتجره لمصلحتها الخاصة بعد استغلالها الثقافة الجنسية لتحقيق مكاسب إعلانية وإعلامية بتناولها للموضوع بإسفاف وعدم حياء أضر بالمفهوم وشوه من المحاولات الجادة التي يقوم بها البعض من أجل نشر هذه الثقافة في أوساط المجتمع، مضيفا أنه يجب التفريق بين من يحاول استغلال الموضوع لأجل قتل الحياء ومن يحاول معالجة الموضوع في إطار الحياء وتدعيمه في المجتمع. لا خدش للحياء ويوضح الداعية الحواس أن الإسلام يمنع الحياء في الدين، لذلك فإن نشر الثقافة الجنسية إذا تمت بالطريقة الصحيحة ليس فيها ما يخدش الحياء، ستسقط كل الدعاوى التي تقول بعدم تناول الموضوع في مدارسنا أو حياتنا العامة من خلال المحاضرات أو الندوات المتخصصة أو البرامج التلفزيونية، مشيرا إلى أن ما ولد الحساسية عند المجتمعات من الثقافة الاجتماعية هو الإعلام الذي شوه كثيرا من طبيعة مجتمعاتنا التي كانت تتعامل مع كثير من الأمور بحسن النوايا وبالطريقة الصحيحة، مؤكدا أن السلف الصالح كان يتحدث في هذه الأمور وأشد منها بطريقة عادية للغاية دونما حساسية أو مشكلة، ويرى أن غياب هذه الثقافة من أذهان الشباب وأرباب الأسر، يمكن أن يقود للعديد من المشكلات داخل الأسر في حين أن نشرها لا يمكن أن يسبب أيا من المشكلات التي يتخوف منها البعض، كما أكد على ضرورة نشر الثقافة الجنسية عبر ضوابط صارمة في الطريقة والوسيلة التي تتم بها عدم خدش حياء الناس ومن ثم تنفرهم من الموضوع ويجعل الكثيرين يحملون وجهات نظر ضد نشر هذه الثقافة المهمة بالنسبة للمجتمع، كما أكد على أهمية إخضاع القائمين بهذا الدور لشروط عديدة؛ من أهمها أن يكونوا مصدر ثقة ويبتغوا الخير من عملهم، موضحا أن هناك الكثير من الوسائل التي بدأت تنشر قدرا من هذه الثقافة وسط المجتمع ومنها المواقع الإلكترونية التي تقدم استشارات خاصة في كل ما يتعلق بالثقافة الجنسية وما يدور حولها، كما أن هناك مراكز استشارية وأسرية تقوم بعمل مماثل لما تقوم به هذه المواقع الإلكترونية. ممارسات سوية أما الدكتورة حصة السهلي فأوضحت أن مفهوم التربية في هذا الموضوع لا يقتصر فقط على العلاقة الخاصة بين المرأة والرجل، بل هي أكبر من ذلك، منها توضيح دور كل جنس وحقوقه وواجباته وبيان معنى العورة وحدودها لكل من الجنسين وما يترتب على ذلك من الطهارة والفصل بين الأخوة والأخوات في النوم، وألا يصاحب الصغير من هم أكبر منه والاستئذان وغيره من الأحكام والآداب الإسلامية وغيرها، وتوضيح الممارسات السوية وآثارها والممارسات الخاطئة وغير السوية وأضرارها وما تسببه من أمراض وتدعيم ذلك بالصور والدراسات والأرقام والنصوص الشرعية، كما طالبت بتدريس هذه الثقافة في كل المراحل، لأن كل مرحلة من مراحل التعليم تقابل مرحلة من مراحل النمو لها متطلبات مختلفة عن المرحلة السابقة، حتى في النمو الجنسي للجنسين الذكر والأنثى، مما يستدعي تحقيق هذه المطالب بما يناسبها، كما دعت الآباء لتربية الأبناء على العفة والحياء وأن تطلق عليهما مسمياتهما الشرعية وليست العامية، فهناك فرق بين العورة والعيب في المحتوى اللغوي والتأثير النفسي، وإلى أهمية أن يتولى العناية بنظافة الطفل شخص قريب جدا وأمين، وليس كل من هب ودب حتى يغرس في نفس الطفل الحياء والعفة وما يجوز وما لا يجوز لحمايته فكم من المشكلات التي يعاني منها الأطفال في الكبر يعود سببها إلى ترك مسؤولية رعايتهم ومراقبتهم والعناية بهم إلى أشخاص تنقصهم المعرفة أو الأمانة كالخادمة ومن يقوم مقامهم، وعليه يجب أن يعلم الطفل كيف يتصرف في تلك المواقف. ومن يتعامل مع مشكلات الأفراد يدرك ذلك بوضوح، وعليه فالتربية مطلب ضروري لكل مراحل النمو للآباء والأبناء، وأوضحت أنه في الماضي كان الأفراد يتلقون التربية الجنسية من خلال الغريزة ومن هم أكبر منهم، وكان المجتمع موحدا في الثقافة، أما حاليا فقد تعددت مصادر المعرفة، لذا فيجب وبشدة إعداد التربية على يد أخصائيين وعلماء ذوي بصيرة، وتقنينها من قبل علماء شرعيين وتحديد ما يناسب كل مرحلة تعليمية بما يتوافق مع النمو الجسمي والنفسي للتلاميذ، وعدم ترك الأبناء يبحثون عن المعلومة من أي مكان، فلا بد من التأكيد من أنهم يحصلون على المعلومات من مصادر موثقة، ومن حسن فهم الأبناء للمعلومات، وما يعاني منه البعض من مشكلات سلوكية مردها معلومات مغلوطة أو ممارسات غير سوية حدثت في الطفولة.