إن نجاح القمة العربية في بغداد لا يمكن قياسه إلا في ميزان الأزمة السورية، فالاستحقاق صاحب الأولوية في هذه المرحلة هو الاستحقاق السوري لما يحمله من مآس ومجازر ودماء تسفك بحق شعب عربي عزيز لا ذنب له سوى أنه يطالب بحياة كلها كرامة وإنسانية، شعب قرر الخروج إلى الضوء ليعيش كما تعيش كل شعوب الأرض. قمة بغداد وعبر التوصيات التي خرجت بها لا يمكن قراءتها إلا مراوحة في دائرة مغلقة بحيث لم تحدث خرقا في جدار الأزمة الكبيرة التي تعيشها سورية، ولا تشكل ملاقاة لآمال وطموحات الشعوب العربية وتحديدا الشعب السوري الذي كان ينتظر موقفا حاسما تجاه ما يحصل بحقه من جرائم ضد الإنسانية، العالم كله أقر بها. إن النظام السوري وقبل أن تصدر توصيات القمة العربية أكد أنه لا يلتزم بأي مبادرة ستخرج عن قمة بغداد، فيما التوصيات جاءت وكأنها تهادن النظام لا، بل صدقت على قاسم التصديق عليه سابقا فيما المنتظر كان أن تكون بمثابة عامل ضغط إضافي لإيجاد حل للمأساة، وأن تخرج بقرارات حاسمة في مسألة التزام النظام السوري بالمبادرة العربية، وفي نفس الوقت تسهيل مهمة كوفي عنان عمليا وليس عبر الموافقة على المبادرة عمليا والعمل باتجاه معاكس على الأرض كما حصل مع لجنة المفتشين العرب في وقت سابق. إن السقف الأدنى الذي خرجت به توصيات القمة يجب أن يشكل رسالة إلى إيران وتحديدا على صعيد الأزمة السورية، رسالة مفادها أن قتل الشعب السوري يجب أن يتوقف؛ فمما لا شك أن إيران لديها حسابات استراتيجية في المنطقة ولكن لا أعتقد أن إيران لا تزال مقتنعة بأن النظام السوري لديه القدرة على الاستمرارية وهي اليوم تخوض مفاوضات صعبة مع المجتمع الدولي، وبصورة خاصة مع الدول التي تبحث الملف الإيراني ومنها الولاياتالمتحدة. ومن هنا فإنني أعتبر أن الملف السوري جزءا من هذه المفاوضات، وهو ورقة بيد إيران فالوضع المضطرب في المنطقة يفرض على كافة الأطراف الخروج من دوامة العنف التي وضعها النظام السوري، فحقوق الشعب السوري لا تقل أهمية عن حقوق باقي الشعوب العربية، وهي حقوق لا يمكن تجاوزها بعد كل الدماء التي سالت. المطلوب من الجامعة العربية وبعد اختتام قمة بغداد بما لها وما عليها، إعادة التأكيد على المبادرة العربية فيما يتعلق بالأزمة السورية، والدفع باتجاه هذا التأكيد فوزير الخارجية العراقي هوشار زيباري كان محقا عندما قال «إن فشل كوفي عنان يعني ذهاب الملف السوري مجددا إلى مجلس الأمن»، فالمرحلة حاسمة ومؤلمة وعلى الجامعة ورئاستها حث المجتمع الدولي على القيام بواجباته لأن ما يحصل في سورية أمر يتعارض مع مفاهيم حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية ومفاهيم السلام؛ وبالتالي فإن هذه الدول التي تدعي الحرص على الديمقراطيات، وتدعي الحرص على حقوق الإنسان والمشاركة في الحكم عليها أن تتحرك ولا تعطي المزيد من التسويف والمماطلة. إن المستقبل يبتسم للشعب السوري، والشمس تغيب عن نظام فقد كل شرعية، نظام امتهن قتل شعبه الأعزل، واتخذ من الاتهامات الباطلة للأبرياء هواية لم تعد مخفية على أحد لا في الداخل ولا في الخارج ولا عند العرب أو العجم.