ونحن نتتبع «بورصة» المحترفين في الأندية السعودية إذ بنا نقف على أرقام مهولة، فثمة لاعبون وقعوا عقودا احترافية هي بمثابة فرصة العمر بالنسبة لهم، مع أنهم لا يتمتعون بأي قدرات فنية خاصة، أو مهارات تميزهم عن أقرانهم من بقية اللاعبين، الملفت للنظر أن أندية بعينها وجدناها تغالي في أسعار بعض المحترفين، ليس هياما في هذا اللاعب أو ذاك، بل « نكاية» بالأندية المنافسة، والشواهد على ذلك كثيرة. في المقابل توقفنا مليا أمام أندية خدعت نفسها ب «التورط» في صفقات سرعان ما اعترفت بفشلها، والأمثلة في هذا السياق أكثر من كثيرة. وبتتبع خيوط اللعبة لاح في الأفق خيط من ضوء أنار دهشتنا حين أوصلنا إلى (قبيلة السماسرة) ممن ظهروا في سماء الرياضة المحلية في السنوات الأخيرة، وأصبح لهم حضور وتأثير كبيران في عمليات استقطاب اللاعبين بعد تنامي ظاهرة الاحتراف الرياضي ورواج بورصة اللاعبين ودخولهم في عمليات تعاقد كبيرة من حيث القيمة المالية، حيث أصبحت الحاجة ماسة إلى وكلاء يرعون حقوقهم ويحافظون على مكتسباتهم من خلال شركات معتمدة لها كيانها الرسمي، ما شجع العديد من السماسرة على الدخول في هذا المجال من الأبواب الخلفية معتمدين على السمسرة السريعة مقابل عمولة وينتهي دورهم عند هذا الحد، ما خلق العديد من المشكلات بين الأندية واللاعبين. ملايين تدور «عكاظ» سبرت أغوار هذه المهنة التي تلاعب مريدوها بمئات الملايين من الريالات التي تنفقها الأندية السعودية على محترفيها مرتين كل عام، سعياً لمعرفة حقيقة العلاقة بين الأندية واللاعبين والوكلاء، ووضع أسس التعامل بين هذه الأضلاع الثلاثة التي لم تكن لتأتي إلا من خلال تنامي ثقافة الاحتراف. ** في البدء استنطقنا كونغرس الفيفا الذي أصدر قراراً بمنع اللاعبين من الاستعانة بوكلاء لاعتقاده أن ذلك من شأنه تشجيع الخطوات غير القانونية، كان ذلك في مؤتمر برلين (1936)، والآن وبعد ستة وسبعين عاماً، وفي ظل تدفق الأموال الطائلة في لعبة كرة القدم، رأينا من الضرورة إعادة تقييم دور وكلاء اللاعبين بعدما افتقد للمهنية، ليفتح للسمسرة بابا ونافذة، ما يشكل صداعا في رأس المنظومة الكروية السعودية، وهذا من شأنه الإخلال بوظائفها، كيف لا ؟ والسماسرة هم من تسببوا في زعزعة الاستقرار الفني للأندية عندما أغرقوها في ديون أخذت وستأخذ وقتاً طويلا منها للصعود إلى السطح. وفي وقت تشير فيه الإحصاءات إلى أن في السعودية (53) وكيل لاعب مرخص لهم، نجد (39) منهم لا يجيدون الإنجليزية أحد أهم شروط فيفا ولا يوجد لهم مقرات ولا مكاتب ثابتة، ويتعاملون من خلال الإنترنت والزيارات! اتهامات طفت، وأقاويل طغت عن سماسرة باتوا يشكلون مصدر قلق للأندية عبر المساهمة في رفع أسهم اللاعبين إلى أقصى رقم، إما بالتحريض أو التسويق بطرق غير قانونية. تجارة ومال ** ولأن اللاعبين أس السوق وأساسه، بدأنا بتقليب أوراقهم وتوقفنا على الكثير من أسطرها، تلك الأسطر التي حملت في طياتها العديد من الحروف المتنافرة والكلمات المتقاطعة التي تباينت في كل شيء إلا في الاتفاق على تسمية الوكلاء بالسماسرة، وأحيانا ب «لوبي» قوي قادر على التأثير على مصير اللاعبين، مستمدين قوتهم من ضعف الهيكلة الرياضية؛ لأن للوكيل مهام أكبر، أهمها الدور الذي يقوم به في حياة اللاعب، من تسويق له وتحمل لكافة أعبائه داخل الملعب وخارجه، بل والعمل على تهيئته نفسيا، كما هو الحال في الأندية الأوروبية، ما يفسح المجال أمام اللاعب للتفرغ لمهنته الأساسية على أرض الملعب، فها هو أحد اللاعبين طالبنا بعدم الإفصاح عن اسمه يرى أن المسمى الصحيح لوكيل اللاعبين في وضعه الحالي هو سمسار حيث لا يقوم سوى بعملية إتمام الصفقة ومن ثم يقطع علاقته باللاعب، على عكس الوكيل الأوروبي الذي يقوم بتحقيق أكبر استفادة للاعب من خلال جلب العقود التسويقية له من الشركات الكبرى، مضيفا أنه لابد أن تكون رغبة اللاعب في الانضمام لأي من الأندية لها الأولوية لدى الوكيل لأن العملية ليست (بزنس) لها عمولتها وتنتهي، مناديا الوكلاء في الوقت ذاته إلى تفهم مهمتهم الأساسية وتسهيل مهمة الأندية واللاعبين بعد تقوية علاقاتهم التسويقية، ولم يخف اللاعب تذمره من المزايدات التي تدفع الأندية ثمنا غالياً لها من مواردها حين يأتي الوكيل ويعرض لاعباً معيناً وبعد أن يقدم فيه سعراً يقوم بمزايدة أندية آخرى عليه، ما يفسد الصفقة. ** اللاعب مناف أبو شقير لم يؤكد التهمة ولم ينفها كونه لم يواجه بمثل ذلك من قبل، إلا أنه قال لنا: إن كان هناك من انتشار للظاهرة فإنما يعود إلى افتقار بعض اللاعبين إلى الأنظمة التي تمكنهم من اختيار الوكلاء الأكفاء ذوي السمعة الحسنة الذين يتولون رعايتهم وتسويقهم عبر آلية قانونية يعتمد عليها. علاقة طردية ** ومع أن ذيب الدحيم (وكيل أعمال لاعبين) سبق أن نفى كل تلك التهم ملقيا بها في ملعب من أسماهم ب «أبواق الأندية» ممن يصورون الأشياء بغير صورها، ورغم مصادقة غرم العمري على حديث الدحيم في حينه، وإن أشار إلى النزاهة بشقيها الحاضر والغائب، ورمى عبدالرحمن الخنين الكرة في ملعب الأندية التي لا تلتزم بتعهداتها المالية، وسعى صالح الداود إلى دحض تهمة التحريض عن الوكلاء، إلا أن راشد الشهواني تأوه كثيرا وهو يصف معاناة الوكلاء المحترفين مع الدخلاء على السمسرة ممن أسماهم ب (خفافيش الظلام) في عمليات بيع وشراء وانتقال اللاعبين ما يعني فسادا في منظومة الاحتراف، الأمر الذي أكده مبارك العلي حين وصف السيطرة على سوق السماسرة بالأمر الصعب في ظل الانفتاح الحالي في عالم كرة القدم حيث الدخلاء الذين ينخرون جسد الرياضة مشيرا إلى أن الأندية من الصعب أن تتعامل مع الوكلاء الرسميين فقط لأنها تحاول الحصول على مكاسب وبالتالي الحلول الأخرى يقصد اللجوء إلى السماسرة ستكون سهلة بالنسبة لتلك الأندية. مع كل ذلك هاتفنا وكيل اللاعبين المعروف سلطان اليامي الذي لم ينكر وجود السماسرة في الملعب، إلا أنه أردف أن السمسار ما هو إلا موظف يستغل منصبه في هذا النادي أو ذاك ليقوم بمهام الوكيل لحين توقيع العقد مع اللاعب ومن ثم تنقطع صلته به، أما الوكيل المرخص له فهو من تهمه مصلحة اللاعب في المقام الأول ولا يتعامل معه إلا بحسب ما تمليه عليه قوانين اللعبة، ومع ذلك لم يخف البلوي حقيقة تهرب الكثير من اللاعبين من الاحتراف الخارجي لما يمثل لهم من عبء حيث الاحترافية المنظمة التي لم يعتادوا عليها، نافيا بذلك تهمة المبالغ الطائلة التي يتقاضاها اللاعبون ووكلاؤهم من لدن الأندية السعودية فيما لو قورنت بما يتحصلون عليه خارجيا. ** في الوقت ذاته توقف وكيل اللاعبين احمد المزيني كثيرا عند مصطلح «لوبي» محاولا استبداله بمفردة أقل وطأة عندما قال لنا عند مواجهته بالوقائع: الأمر لم يصل إلى هذا الحد، ولن يصل إليه بإذن الله، وإن كان هناك فئة امتهنت السمسرة بعد أن فشلت في الحصول على التراخيص اللازمة لممارسة المهنة مستغلين في ذلك علاقاتهم بالأندية واللاعبين إما لأنهم لاعبون أو إداريون سابقون، أو لكونهم من ذوي العلاقات المتميزة، ولم يخف المزيني الدور الذي يلعبه بعض اللاعبين في انتشار ظاهرة السمسرة تهربا من حقوق الوكلاء التي تصل إلى 10 % بحسب اللوائح المنظمة. هوامير الأندية ** رؤساء الأندية كان لهم رأي حول الأمر، فقد أكد رئيس نادي الرائد فهد المطوع ذات لقاء أن تسويق اللاعب السعودي يجب أن يكون خارجيا ولا يقتصر على التسويق الداخلي فقط وأخذ النسبة، مؤكدا أن الملاعب السعودية مليئة بالمواهب التي تحتاج إلى التسويق الخارجي حتى يتسنى لها اللعب في الدوريات الأوروبية لينعكس أثر ذلك إيجابا على الكرة السعودية، وشدد المطوع على أن دور الوكيل لا بد أن يكون أكثر فعالية وإيجابية بعيدا عن التغرير باللاعب وإحداث فجوة بينه وناديه، وعليه أن يعمل على تثقيف اللاعب وأن يقوم بدوره باحترافية كاملة. ** أما عبدالله الهزاع رئيس نادي القادسية فذكر أنه مع الوكيل المثقف الملم بواجبات وظيفته ولاسيما ذلك الذي ينصح اللاعب دائما بالمحافظة على مستواه والاهتمام بنفسه وأن يحسن التعامل مع ناديه كونه يحتاج إلى التوعية والتثقيف حتى يتقن عمله الذي يتقاضى عليه أجرا كبيرا. ** وفي الوقت الذي يشاع فيه اقتصار بعض الأندية على التعامل مع وكيل واحد من أجل سهولة تمرير بعض الصفقات طرحنا الاتهام على عبدالعزيز الدوسري رئيس نادي الاتفاق الذي أكد أن ناديه لا يتعامل في عقوده الاحترافية مع اللاعبين بمثل هذه الطريقة، وإن كان هناك من شيء من هذا القبيل فيعود للوكيل نفسه الذي يغالي في قيمة الصفقة حتى تزداد عمولته، وهذا بحد ذاته يشكل فجوة بين النادي والوكيل، مع أنه من المفترض والحديث للدوسري أن تكون علاقة الوكلاء بالأندية أقوى من علاقتهم باللاعبين فالبقاء للأندية وليس للاعبين. المرأة والوكالة ** هنا يممنا باتجاه أساتذة القانون الذين شخصوا القضية ليوضحوا لنا أن المشكلة تكمن في آلية تطبيق القوانين الدولية، مشددين على أنه لابد من تفعيل اللوائح الخاصة بعمل الوكلاء بحيث تتضمن عقوبات مغلظة على من يخالف ويخرج عن النص، مضيفين بأن الأندية يقع على عاتقها الدور الأكبر، ولابد من الإلزام بأخلاقيات التعاقدات، ولا يجب أن يكون كل ما يعرضه السمسار مرحبا به لأن ذلك قد يوجد خللا في العلاقة بين الأندية. ** فها هو الدكتور عمر الخولي أستاذ القانون بجامعة الملك عبدالعزيز وعضو مجلس إدارة نادي الاتحاد يطالب بإعادة النظر في لائحة وكلاء اللاعبين المحلية، واصفا إياها باللائحة المستنسخة حين أثنى في محاضرة له أقامها مؤخرا أنها متطابقة بنسبة 98 % مع اللائحة الدولية دون العمل على توطينها أو تكييفها محليا، كاشفا عن أن هناك وكلاء يحاولون استقطاب نجوم الكرة السعودية بهدايا وسيارات ومبالغ كبيرة ليقبل اللاعبون توقيع العقود معهم ما يكسب الوكلاء شهرة واسعة تحفز بقية اللاعبين للتوقيع معهم، مختتما رأيه ذاك بالإشارة إلى أن لائحة وكلاء اللاعبين السعوديين لم يرد فيها ما يمنع من أن تكون الزوجة والأم وكيلة في التفاوض عن ابنها أو زوجها على غرار ما يحدث في أوروبا، كون التوكيل الشرعي يحل محل رخصة وكلاء اللاعبين، بعد أن أوضح أن العملية برمتها تحتاج إلى تشريع وتثقيف ما يسهم في زيادة تركيز اللاعب وتطور مستواه. ** المحامي خالد أبو راشد نائب رئيس منظمة العدالة الدولية وعضو الاتحاد الدولى للمحامين والمحكم لدى مركز التحكيم لدول مجلس التعاون الخليجي فند بدوره تفاوت أسعار صفقات اللاعبين بعملية العرض والطلب، مستبعدا أن يكون لذلك دور في السمسرة وهي بذلك لا تدخل في بند المخالفات، إلا أنه أردف بالقول: متى ثبت أن هناك من يتحكم في صفقة ما لجني أرباح كبيرة من عقد هذا اللاعب أو ذاك كالتعامل مثلا مع وكيل واحد فهنا تثبت المخالفة القانونية لما في ذلك من مصلحة شخصية يغلبها البعض على مصلحة اللاعب وكذلك النادي.